لفتتني لافتة رئيسة الوزراء البريطانية خلال مشاركتها في مؤتمر دول اتحاد الخليج في العاصمة البحرينية إذ كُتبت عليها "المملكة البريطانية العظمى المتحدة" مما توحي بأن تلك المملكة عادت أو تستعيد قوتها العظمى العتيقة التي كانت تملكها حتى قبل الحرب العالمية الثانية.
هذا الحنين إلى الماضي المجيد يوجد عند أغلبية الشعب البريطاني العظيم! وقد عبّر عنه خلال حركة برغزيت الفائزة في انتخابات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
ولكن هذا الحنين إلى القوة السابقة ليس إلا نتيجة الضعف الاقتصادي الذي تعاني منها بريطانيا العظمى.
ويحاول القوميون البريطانيون الجدد استعادة تلك القوة المفقودة أولًا عبر الانفصال عن أوروبا التي اتخذت من بريطانيا أرضًا مستباحةً لتصدير سلعها الصناعية إليها بدون دفع الضرائب الجمركية وعلى سبيل المثال صادرات ألمانيا من السيارات إلى إنكلترا ما تجاوز 800 ألفًا لعام واحد.
وبموازاة الخروج من الاتحاد الأوروبي بغية استعادة استقلالها تبحث بريطانيا عن مكان لها تحت الشمس وتفتش عن أسواق جديدة. 
ولتحقيق تلك الأحلام تحتاج بريطانيا إلى إحياء صورتها النمطية القديمة عند الآخرين. 
إن بريطانيا خرجت عن الشرق الاوسط في العام 1968 بمغادرتها قناة سويس التي بادر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميمها أسوة بصديقه الإيراني الرئيس محمد مصدق الذي أمم النفط وبعد خسارة بريطانيا النفط الإيراني وقناة سويس المصرية خرجت ولم تعد إلا في وقت متأخر جدا حيث أسّست مؤخرًا قاعدة عسكرية في البحرين.
وما يتيح عودة بريطانيا التي لا زالت تعتبرها بعض بلدان الخليج قوة عظمى هو الخروج الأميركي من تلك المنطقة التي لمّح الديموقراطيون الأميركيون بمغادرتها فكيف عن الرئيس المنتخب الجمهوري الذي صرّح أكثر من مرة بأنه يريد العودة إلى داخل الحدود الأمريكية.
ففي ظل الأوضاع الجديدة يرى دول الاتحاد الخليج بأنّ بريطانيا يمكن أن تكون تعويضًا عن خسارة الدعم الأميركي.
وكانت لافتة كلمة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا مي في مؤتمر القمة بالبحرين فقد زادت فيها الأخيرة على ضرورة التعاون بين بريطانيا ودول الاتحاد الخليج لمواجهة التهديد الإيراني.
ومن سخرية القدر أن تزامنت عودة رئيسة الوزراء البريطانية إلى لندن، ونشر ملف صوتي لوزير خارجيتها الذي يوجه فيها الأخير انتقادات حادة للملكة السعودية وبدرجة أخف إلى إيران متهما إياهما بشنّ حروب بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط. ما يعني أن عودة بريطانيا إلى الخليج ليست من أجل تأمين الأمن للعرب بل إنها تهدف إلى أغراض اقتصادية وأهمها بيع مليارات الدولارات من السلاح للعرب. 
الانسحاب الأمريكي والتقدم البريطاني ومواجهة المسلمين مع بعضهم البعض ومنافسة إيران وجيرانها العرب في شراء الأسلحة من الروس والأمريكيين والبريطانيين هي عناوين المرحلة المقبلة خاصة بعد بدء ولاية الرئيس الجديد الأميركي دونالد ترامب. 
إن بريطانيا تحاول استعادة قوتها العظمى السابقة بينما وزير خارجيتها الأسبق كان يقول لم تعد بريطانيا الآن قوة عظمى! فهل تحاول دول الخليج العربية استعادة الانتداب البريطاني عليها؟