عندما اكتسحت صور فيدل كاسترو ورفيقه أرنيستو جيفارا حيطان معظم البلدان في الشرق وتحوّل كاسترو بعد مقتل زميله جيفارا إلى إكبر رمز لمناهضة الإمبريالية والاستعمار في العالم، وأصبح نضال الشعب الكوبي مصدر ملهمًا لجميع الشعوب المتطلعة إلى التحرر من قيود الاستعمار. لم يكن يتصور الكثيرون بأنّ هذا القائد التاريخي سوف يتحول إلى إمبريالي وطني وديكتاتور يقمع الحريات ويقيّد الشعب ويخلد إلى سرير السلطة ويحوّل البلد إلى مزرعة لا يحتاج سوى العناية الصحية والطبية كما المواشي التي يتمّ سجنها في المزرعة همّها علفها وهمّ صاحبها الإكثار من حليبها ولحمها.

إن تصرف كاسترو طيلة ستة عقود من قيادته ورئاسته على الشعب الكوبي يختصر بكلمة واحدة وهي عبارة عن مالك مزرعة الماشية.

نعم كان لدى الرفيق فيدل كما لدى أي ديكتاتور إيديولوجي آخر سواءً كان شيوعيا أو إسلاميا من المبررات، ما كان يكفي لقمع الحريات وتقييد المواطنين. 

الإمبريالية العالمية أو العدو المستعمر أو ما شابه ذلك من الأوصاف الحقيقية والتوصيفات المحقة التي لا يشك في صدقها اثنان، وفّرت الغطاء المناسب لقمع الحريات في مرحلة ما بعد التحرير وتحول مبدأ الاستقلال أمام العدو المحتل المستعمر الإمبريالي المعولم إلى الإنجاز الوحيد الذي يجب الحفاظ عليه، وتمّ تهميش مبدأ الحرية وقمع الحريات تحت ذريعة الحفاظ على الاستقلال، وأن الحرية لا تندرج على لائحة أولويات المواطنين، وأن الحريات هي أساسًا قنوات لتسلّل العدو الذي تم إخراجه من الأرض. وهكذا اتهم كل من نادى بالحرية والديموقراطية وتداول السلطة وفصل السلطات ومضى كاسترو في هدا المشوار حتى حوّل البلد إلى سجن كبير ومنع المواطنين من السفر إلى الخارج إلا بعد الحصول على موافقة السلطات التي لا ترفض إلا القليل من الطلبات؛ كما أغلق المجال أمام الصحافة الحرة بل والمجتمع المدني برمّته وضيق الخناق على الثقافة والمثقفين، وبموازات تلك الرقابة المشددة فتح كاسترو أبواب التقدم الطبي حيث أن أي تقدمٍ في مجال الطب والصحة لن يشكّل مصدر تهديد للسلطة بل يقدّم نمودجًا رائعًا لمصداقيتها أمام العالم ويستر عيوبها ولو لبعض الشيء ولفترة ما. 

نعم الخدمات الطبية تقدّم للمواطنين الكوبيين مجّانًا وهي خدمات متطورة مكلفة في أي بلد آخر كما أن نسبة المتعلمين تتجاوز 98 في المائة، وبالمناسبة فإن الخدمات الطبية في عهد الرئيس العراقي السابق الجزار صدام حسين كانت تقدم بالمجان أيضا ولكن الشعب الكوبي أو العراقي كان يدفع أضعافا مضاعفة لفواتير العلاج وهي الحرية. فإن الشعب الذي سلب منه حريته لم يعوّض عنها بشيء. 

السياسة المنغلقة الإيديولوجية تولد الاقتصاد المنغلق والسوق المنغلق ونفسية الانغلاق عبر رفض الانفتاح والحرية لأن كل من ينادي بالحرية والانفتاح يتم تخوينه حيث أنه يريد التبعية ويرفض استقلال البلد وأمجاده.

وللإنصاف يمكن القول بأن فيدل كاسترو كان أكثر تدبيرًا وحكمة وتسامحًا من رفاقه الاشتراكيين في كل من كوريا الشمالية والعراق حيث أنه كان يعوّل على خطاباته التي كان يُظهر فيها قوّته السحرية على إقناع المواطن، وأحيانًا كانت تمتد إلى خمس ساعات وأكثر. بالرغم من أن تلك الخطابات المخدرة لم تكن مقنعة لابنته التي هربت إلى الولايات المتحدة ولا تزال هي تقود معركة الحرية من الولايات المتحدة ضد والدها الذي قاد معركة التحرير والاستقلال ضد الولايات المتحدة. ولا نعرف متى ستعود ابنة كاسترو بعد حسم معركة الحرية إلى الوطن ولكن نسجل حتى الآن بأن قادة الثورة الكوبية استضافوا رئيس الإمبراطورية الأمريكية باراك أوباما قبل وفاة زعيمهم التاريخي. وأخيرا يمكن القول بأن الحصول على الحرية بمنأى عن اية إرادة او مساعدة أجنبية نعمة يحرم المستبدون شعوبهم منها. حبذا لو كان قائد التحرير والاستقلال هو قائد الحرية حتى يستغني المواطن عن الهروب إلى أحضان العدو. تلك حقيقة بديهية لا يفهمها ديكتاتور.