لم ينفع الرئيس سعد الحريري في مشوار تأليف حكومته الذي بدأ بسلسلة عراقيل وتعقيدات، إلا الاستماع الى تجربة الرئيسين تمام سلام ونجيب ميقاتي ونصائحهما لإتمام عنقود مجلس الوزراء، خصوصاً ان كلاً منهما أمضى وقتاً طويلا في رحلة التأليف، لكأن التأخير في ولادة الحكومات أصبح تقليدا في لبنان لن يخرج عنه عهد رئيس الجمهورية ميشال عون.
وبات في حكم المؤكد ان حكومة الحريري سترحَّل الى ما بعد عيد الاستقلال، وربما الى أبعد. ويبدو انه كلما تجاوز المعنيون عقدة، تعترض طريق التشكيل رزمة حواجز و"فيتوات"، وتبرز تعقيدات أخرى زاد عليها السجال بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كرر موقفه المعروف من الحكومة للحريري في آخر اتصال بينهما. ولم تحصل اتصالات في نهاية الاسبوع لا على صعيد "الاشتباك الرئاسي" ولا في شأن الحكومة.
وتأخذ جهات مواكبة للاتصالات على عون أسلوب تعاطيه والحريري عندما قدم إليه الاسبوع الفائت مسودة تشكيلته، إذ طلب إليه رئيس الجمهورية ان يتركها " وأنا برجعلك". وثمة من يعتبر هذه الطريقة في التعامل مع الرئيس المكلف غير مقبولة، فهو شريك رئيسي في عملية تأليف الحكومة واختيار اعضائها. وحتى لو كانت عملية التأليف محتاجة في نهاية المطاف الى توقيع عون، كان على الحريري ان يتصدى لهذا التعامل معه للحؤول دون تكراره في المستقبل، وتحديدا عند مناقشات الملفات الساخنة التي تتطلب صلابة وردا عند اتخاذ القرارات. وثمة من يخاطب الحريري هنا بعبارة: "كن قائداً".
ويظهر ان الحريري أقرب الى رؤية بري حيال ضرورة تمثيل مروحة واسعة من الأفرقاء في الحكومة. وهو يشدد على عدم استبعاد حزب الكتائب و"تيار المردة" وحصول هذا التيار على حقيبة وازنة، مثل وزارة الطاقة التي يطالب بها، في حين يستبسل "التيار الوطني الحر" لإبقاء هذه الوزارة في حوزته، هو الذي يدير مفاتيحها منذ اعوام من خلال مجموعة مستشارين محسوبين على الوزير جبران باسيل.
وكان لافتاً نجاح بري في استدراج عون الى ملعبه، وربما أوقعه في مكمن بعد كلام رئيس الجمهورية من بكركي في حق البرلمان ومسألة التمديد له، وبدا بعد هذه التطورات أن لا قدرة كافية عند باسيل ومستشار الحريري نادر الحريري على تركيب البازل المعقد للحكومة، بل ان المسافات أخذت في الاتساع بين الوهم والواقع.
ويلاحظ ان الحريري أقل المتضررين من السجال بين بعبدا وعين التينة، وهو يتابع مهمة استعادة المسيحيين وعدم خسارته بري، مواظباً على تأكيد العلاقة التي تربطه برئيس الكتائب سامي الجميّل، ورئيس "المردة" سليمان فرنجيه، وإصراره على عدم التفريط بها.
وتفيد المصادر بأن بري "فتح قلبه" لعون بعد إتمام الانتخابات الرئاسية. وفي جلسة المصارحة بينهما قال له بري، بحسب معلومات لـ"النهار" من خارج عين التينة: "اذا اقتربت مني 10 سنتيمترات فسأرد بـ 15. واذا اقتربت كيلومتراً فسأقترب مئة كيلومتر".
وثمة من يحذر عون، بحسب المصادر، من سلوك طريق الرئيس الأسبق إميل لحود الذي عمل على تطبيق خطة في الوزارات والمؤسسات " لم تحقق أي نجاح"، قوامها زرع ضباط فوق رؤوس العاملين والمسؤولين عن تلك الوزارات. والخشية تعود إلى وجود من يعمل على ترسيخ عقلية قاعدتها ان "الفاجر يأكل مال التاجر، فكيف إذا كان الفاجر تاجراً؟".
من جهة اخرى ثمة تخوف يراود بعض الجهات من عدم الإقدام على التخلي عن "قانون الستين"، كما أن هناك جهات لا تلمس الحماسة المطلوبة لخوض الانتخابات المقبلة بقانون على أساس النسبية، خصوصاً أن الحزب التقدمي الاشتراكي يصر على إبقاء "الستين" ويشاطره " تيار المستقبل" هذا الرأي من دون إعلان موقفه هذا صراحة. ويظهر ايضا وفقا لثنائي عون و" القوات اللبنانية" انهما لا يعترضان على "قانون الستين" على أساس أن تحالفهما سيحقق لهما ما لا يقل عن 50 نائبا مسيحياً من اصل 64، مع سعيهما الدائم إلى إقصاء جملة من الوجوه المسيحية المستقلة، من النواب دوري شمعون وبطرس حرب وروبير غانم وسواهم، وصولا إلى محاصرة حزب الكتائب. وتشير المصادر في السياق إلى سعي "القوات" التي تضم كتلتها اليوم 8 نواب إلى رفع عدد أعضائها كي تصل إلى 20 نائباً، وتعتبر سعي عون إلى تكبير حصة "القوات" في الحكومة المقبلة "تدليلاً لها أكثر من اللزوم".