لم يعد أحد في الداخل والخارج يقلل حجم أخطار تأخير تأليف الحكومة على الوضعين الاقتصادي والمالي في البلاد، وهذا ما عكسه بوضوح الموفد الفرنسي بيار دوكان المكلف متابعة مقررات مؤتمر سيدر على هامش لقاء ضيق في اعمال المنتدى الاقتصادي في لندن، وهو ان الاستمرار في منع ولادة الحكومة المنتظرة سيؤدي الى تطيير كل الفرص المتاحة، وان اقتصاد لبنان وفق هذه السياسات الداخلية يتجه الى الانهيار. وطبع في آذان مَن استمعوا اليه عبارة: “ما عليكم إلا ان تحذروا قبل فوات الأوان”.

وكان”حزب الله” قد أبلغ الرئيس ميشال عون رفضه تحميل أمينه العام السيد حسن نصرالله مسؤولية تهديد عجلة الاقتصاد والنمو في البلد. ودعا الجميع الى عدم ممارسة هذه اللعبة ضده ولا “تمزحوا معنا”. وقبل توجه الرئيس سعد الحريري الى لندن، حصل اتصال بينه وبين الرئيس نبيه بري لم يفضِ الى قبول الأول بتوزير اي من النواب السنّة الستة او حتى مَن يمثّلهم. ولم يكن هذا الجواب محل اطمئنان عند بري، وانتهى الاتصال بين الرجلين من دون بروز اي اشارة يستخلَص منها الخروج من هذه الأزمة. ولم يكن هذا الانطباع الذي خرج به بري يتلاءم مع ما سمعه من الرئيس عون الذي اظهر انه أخذ يميل الى تمثيل “اللقاء التشاوري”، وهذا “أمر مهم ومتقدم”، لكنه لن يأخذ طريقه الى التنفيذ اذا بقي الحريري على موقفه الرافض لتمثيل هؤلاء. وتسأل إحدى الشخصيات: “ماذا لو سمّوا شاكر البرجاوي؟”. وما لا يهضمه بري هو طريقة عدم اكتراث الحريري بالنواب الستة ورفضه استقبالهم إذ لا يعترف بحضورهم السياسي. “ولم يبقَ من حل إلا إقالتهم من مجلس النواب او تهجيرهم من البلد”. وكان هؤلاء قد تلقّوا رسائل تهديد صوتية لم يعرف مصدرها بعد، تتهمهم بـ”الخيانة” اذا وافقوا على حضور جلسة لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية في حال وجهها الى البرلمان.

كذلك لم يؤيد عون قفل الحريري الباب في وجه استقبال النواب الستة و”هذه غلطة”. وينطلق من مسألة ان من ابسط واجبات الرؤساء الثلاثة ان يستقبلوا النواب وان تبقى الابواب مفتوحة امام الجميع. وكان رئيس الجمهورية واضحاً عندما قال ان المسألة أصبحت اكثر من خطيرة وباتت وجودية، والضغوط على البلد هائلة، وانه لا بد من اتخاذ خطوات جريئة، وان “المسؤولية وظيفة يجب اتمامها على أكمل وجه”. ولا يتطابق كلام بري هنا مع الاشارات الايجابية والتفاؤلية التي صدرت من عين التينة في الايام الاخيرة، والتي يبدو انها تلاشت بعد تيقن سيدها من الصعوبات التي ما زالت توضع في طريق التأليف. وهو وصل الى اقتناعات مفادها ان الوضع لم يعد يحتمل. واذا استمر السير وفق هذا المنوال وبهذه الطريقة “فإن البلد يقع بين ايدينا وكثيرون وياللأسف يتفرجون على هذه المأساة”. ويردد امام زواره: “يبدو ان الكلام لم يعد ينفع ولم يعد هناك من يسمع”. ويعبّر بري عن حالة التشاؤم هذه “بعدما وصلت لقمة التأليف الى الفم وطارت”، وان الامور في رأيه لا تحل بـ”الكيديات والنكايات وما اكثرها. وفي الخلاصة يجب التحلي بالمسؤولية ووقف إهدار الوقت”.

الى ذلك، لم تغب هموم التأليف عن الرئيس الحريري في لندن، وكان صريحاً في جلسات جانبية وضيقة، وقوله ان المشكلة ليست عنده ولا يتحمل مسؤوليتها. ويردد ان مشكلته ليست مع النائب فيصل كرامي: “الحل ليس عندي واسألوا جبران”. وصارح مَن حوله بان “حشره” بأربعة وزراء في الحكومة وهو من بينهم، يكبله ولا يناسبه، وان ثمة صعوبة في المروحة السنية، ولا سيما انه وعد مجموعة من الشخصيات بتوزيرها من بيروت الى البقاع وصولاً الى طرابلس. و”انا لا اشارك في حكومة اذا كان معي ثلاثة وزراء فقط. ولا أسمح لأحد بان يضعني تحت الأمر الواقع، وان الارقام عندي خلصت”. ويعتقد الحريري انه “عندما تحين الساعة الحقيقية لانجاز التأليف على الطاولة تختار كل جهة الصحن الذي تريده”.

اما عن صيغة الـ18 وزيراً فكانت من جملة الافكار التي طرحت في الآونة الاخيرة، والتي تبين من مصادر الرئيس بري انها صعبة التحقيق لأنها تعيد عقارب التأليف الى الوراء وتخلط اوراق الأحجام من جديد وستفتح المشكلات من كل حدب وصوب. كذلك لا يؤيد طرح حكومة من تكنوقراط لأنها في رأيه تحتاج الى “اتخاذ قرارات جريئة من بينها غير الشعبية، وان الخبراء والتكنوقراط لا يقدرون على هذه المهمات الصعبة”.
وبعد تبيان حقيقة لوحة مواقف عون وخلاصتها حيال تمثيل سنّة المعارضة، ثمة من يقول ان كلام عون أمر مهم جداً، لكن الأهم هو انه عندما تصل الامور الى التأكيد على الورق، يردد الرئيس: “أريد أن أرى جبران باسيل”.