ليس غريباً على اللبنانيين ألا يلتقوا على رأي واحد في موضوع يخص بلدهم، فكيف اذا كان في حجم القمة الاقتصادية العربية وسط موجة من الخلافات الداخلية المفتوحة على اكثر من نافذة على الخارج، من دمشق الى واشنطن وما بينهما. ولا يختلف اثنان على ان حضور امير قطر كان له دور كبير في رفع مستوى القمة، وقد تمكن من خطف الاضواء في هذا اللقاء. الا ان البعض رأى ان “تمنيات” الرئيس ميشال عون دفعت الرجل الى الحضور وهو يريد بدوره توجيه اكثر من رسالة. وعندما تأكد من مستوى مشاركة جميع البلدان أخذ قراره بالتوجه الى بيروت وتحديه الثالوث الذي يواجهه السعودي والاماراتي والمصري.

وبعد انتهاء القمة وصدور بيانها الختامي وعودة الوفود الى بلدانها، فان تردداتها لن تنتهي في لبنان، حيث سيعود الافرقاء الى مسرح الداخل والبدء من جديد في رحلة المناكفات والخلافات وتقويم حصيلة نتائج القمة وما حققه لبنان منها، ولا سيما ان ملف النازحين السوريين سيبقى مفتوحاً من دون التوصل الى حلول تشير الى اقتراب موعد عودتهم قريباً الى بلدهم. واذا غابت سوريا عن أعمال القمة، إلا ان الأنظار بقيت مصوّبة على مقعدها الشاغر. ولم يغب موضوعها بالطبع عن مناقشات الوفود ومتابعاتهم، وان هذا الملف، بحسب الرئيس نبيه بري، كان ينبغي ان يكون الموضوع الاول على بساط البحث والتطرق الى مليون ونصف مليون نازح سوري على الاراضي اللبنانية، ويجب ان يحظوا بالاولوية الكبرى، وان تقدم الجامعة العربية مقاربة جدية بما يخدم النازحين اولاً وتأمين مصالح الدول المضيفة لهؤلاء. ويبقى ان بري كانت له جملة ملاحظات على القمة، ولم يتوانَ عن الدعوة الى تأجيلها ليكون لبنان في وضع افضل. وكان يمنّي النفس بوجود حكومة “تحقيق الاعمال وليس تصريف الاعمال”. وكل ما فعله ازاء الضجة التي احدثها حيال رؤيته لانعقاد القمة ينطلق من مسألة ان كل ما قدمه كان “من باب النصيحة لا أكثر ولا أقل، ومع الأسف لم يؤخذ بها”، وانه كان يأمل في تذليل عقدة الحكومة ومشوار تأليفها المتعثر، ولم يتم الركون الى ما قاله في حينه عن اتباع المخرج الحكومي الذي قدّمه، وانهم “سيضطرون في النهاية الى تطبيقه، ولا مفر منه سوى بتنفيذ ما قلته في هذا الخصوص”، وان وجود حكومة كان افضل بكثير للبنان من حيث استقبال القمة ليتلقف هذه الفرصة بمعنويات عالية ولتحقيق نتائج أفضل.

وهو لم يكن يعارض حضور طرابلس الغرب على مستوى سفير على غرار ما حصل في قمة بيروت عام 2002. ويمتنع عن الرد على الذين يقولون ان السوريين آنذاك فرضوا حضور ممثل معمر القذافي، و”ثمة مَن أصر على رأيه وحصل ما حصل”. ويخلص الى ان قضية الامام موسى الصدر ورفيقيه “لا يتعاطى معها الا بمنطلقات اخلاقية ووطنية” وهي غير قابلة في قاموسه للبيع والشراء والمساومة. وتلقى بري بارتياح كبير موقف الوزير باسيل في مؤتمره الصحافي اختتام القمة ومقاربته قضية الصدر بوصفه “إمام الوطن” ويدعو الذين يحاولون الإيقاع بينه وبين دمشق الى عدم اتباع هذه اللعبة. ويرد: “هل اختلف أنا وسوريا على وحدة اراضيها وقتالها للارهاب الذي هدد خريطتها ومستقبل المنطقة؟ وهل نختلف على المقاومة والعداء لإسرائيل وقتالها وبيننا وبين دمشق رحلة طويلة من التعاون المشترك، وانا الوحيد الذي لم يقاتلها؟ هل تذكرون؟”.

ومن هنا كان بري في مقدم المعارضين لـ”تغييب سوريا” عن اعمال القمة حيث حمل همومها في المؤتمرات البرلمانية في الخارج ولم تغب عن اطلالاته منذ بداية اعوام الحرب فيها، وهذا ما يركز عليه مع الضيوف العرب والاجانب لأنه يعتبر تشخيص حضورها ووجودها مسألة استراتيجية عربية، وان اقتناعاته هذه تشرّبها بـ”الحليب السياسي القومي” في دمشق من خلال “الخصوصية” التي حصل عليها من الرئيس الراحل حافظ الاسد الذي صفّق له ثماني مرات في كلمة القاها بري في دمشق عام 1984، وكان اول من يحصل على كلمة السر السورية.

بعد انتهاء اعمال القمة وصدور بيانها الختامي سيعود الافرقاء الى مسلسل ازماتهم اليومية والبحث من جديد في معضلة التـأليف. وينفي بري كل الحديث الذي تردد عن ان وكيل وزارة الخارجية الاميركية السفير ديفيد هيل تطرق في لقاءاته الى انه يعارض تسلّم “أمل” و”حزب الله” حقيبتي المال والصحة، قائلاً: “لم أسمع هذا الكلام. ولو قاله هيل امامي لتصدّيت له”.