بعد ثمانية اعوام من سياسة التوجس وعدم اليقين التي ضخها باراك أوباما في الشرق الاوسط، يبدأ اليوم عهد اميركي جديد لا يحتاج في الواقع الى أي مفرقعات احتفالية، ربما لأن النيران المندلعة في هذه المنطقة، أكثر من كافية لا للتلهي بالاحتفالات بل للسعي فوراً الى وقف غرق الصدقية الأميركية في الشكوك والارتياب، وقد وصل الأمر حد طرح السؤال: أوليست أميركا أوباما هي في الواقع الراكب المجاني في المنطقة؟
من افراط جورج بوش في سياسة القوة المتهورة، الى افراط باراك أوباما في سياسة الانكفاء المتهور، ولد شرق أوسط جديد مشتعل على ركام النظام الاقليمي القديم المنهار، الذي خلفته خريطة معقدة من الصراعات المسلحة والنزاعات الداخلية التي تؤججها التدخلات الاقليمية، وينسحب فوقها الاقتحام الروسي للمشهد وقد زاد تعقيداته التعاون المتصاعد مع ايران في سوريا.
من ليبيا الملتهبة على حدود أوروبا الجنوبية، الى اليمن المحترق نتيجة انقلاب الحوثيين بدعم ايراني على الشرعية، ما استوجب تدخل السعودية ودول الخليج لوقف محاولات طهران بسط هيمنتها على المنطقة، مروراً بمصر التي باتت رجلاً في موسكو ورجلاً في واشنطن، وأيضاً بسوريا التي تشكل شاهداً على هزائم أوباما أمام فلاديمير بوتين، على رغم انطلاق معركة تحرير الرقة بدعم أميركي، في حين ينهمك الروس بتدمير حلب، ثم من العراق الذي يؤجج الانقسامات ومشاريع الحروب المذهبية على هامش تجاوزات الحرب على "داعش"، وبسبب الادارة الايرانية لهذه الحرب التي تثير لغطاً حول "الحشد الشعبي"، كما تثير خلافاً متزايداً بين تركيا وطهران.
من خلال كل هذا الشريط الملتهب ترتسم معالم منطقة مهمة، انقلبت فيها كل القواعد والمعايير التي كانت تشكل أساساً لرسم الاستراتيجيات الدولية للتعامل معها قبل الحرب الباردة وبعدها، وما يثير القلق ان النظام الشرق الأوسطي انهار كلياً لتبرز الآن في الأفق معالم كثيرة لفسيفساء سياسية واسعة قابلة للتشظي، سواء عبر ما يجري في العراق حيث التقسيم قائم في المشاعر والمناطق، أم عبر معالم البديل المتمثل بـ"دولة الساحل" العلوية، التي تشكل معركة حلب الكبرى فصلاً تقريرياً فيها، أم بالحضور الكردي المتصاعد الذي يحقق الانتصارات من كوباني الى سنجار الى شمال سوريا، حيث يتقدم الكرد بدعم اميركي نحو الرقة على رغم صراخ رجب طيب اردوغان، الذي وصل به الأمر حد القول ان روح تركيا تمتد من الموصل الى مدينة الباب !
خرائط متبدلة ترتفع منها النيران باستثناء اسرائيل التي حصلت من هيلاري كلينتون ومن دونالد ترامب سلفاً على التطمينات الكافية التي أبلغت الى بنيامين نتنياهو في نهاية أيلول، هي التزمت الاستمرار في سياسة الدعم المطلق وهو تعهد نقل سفارة اميركا فوراً الى القدس .