بعد خطاب السيد حسن نصرالله بقي الرئيس نبيه بري وحده خارج التفاهم والتحالف الذي جمع الأضدّاد الغريبة والعجيبة وأسّس لتوازن سياسي جديد لم يضم بري، بل لم يضمه الرئيس إنّما تركه الحليف الذي يستحلِف به عند كل محنة ويستنصِره على عدوّه ويستبصره ليرى المستقبل أمام عينيه .
إذاً نحن أمام رئيس مدعوم من نصرالله والحريري وجعجع، مما يعني أنّ لبنان أمام رباعيّة ثانية كان قد أقسم أئمة الرباعيّة الأولى على عدم الرجوع إليها لِما فيها من مصائب وما أتاحت من ويلات، ولكن يبدو أنّ للقسم مدّة محدودة، فسرعان ما يستغفر المؤمنون ذنوبهم العظيمة ويعودون إلى الذنب بعد كفّارة الوقت للقيام بتحالفات كانت ملعونة. ولأوّل مرّة يمشي استحقاق على غير طريق الرئيس بري، ولأوّل مرة يُبنى تحالف دون أن يختمه على قفاه و لأوّل مرة تبتعد عنه الأسرة السياسية التي حرص على رعايتها وكان لها بمثابة الأب الصالح .
إنّ معارضة الرئيس بري للتحالف المذكور لن تكون كما يظن البعض من خارج السلطة؛ أي أنّه سيترك لهم الوزارات، بل إنّ معارضته، إن استمرت، فهي من داخل السلطة لا من خارجها، وهذا يعني أنّ هناك مرحلة شاقة أمام تحالف رئاسة الجمهورية وأمام أخصامه الجُدد، وطالما أنّ الأزمة في لبنان تحتاج إلى معارضين من قامة الرئيس بري، فهذا سيضعف من سلطة تحالفٍ غير قادرة على حلّ الأزمات، لأنها ستكون منهَكة بتنفيذ الشروط الموضوعة من قِبَل أطراف التّحالف. ولأنّ التنفيذ أمرٌ صعب فإنّ موجة المعارضة سوف تكتسح ساحة التحالف استناداً إلى رغبات الشارع اللبناني ومزاجه الكافر بالسلطة التي جرّت عليه ويلات لا طاقة له على حملها، وهو يحتاج إلى سند سياسي يفسح له المجال لخوض معركة الدفاع عن النفس أمام طبقة سياسية تلمّ بعضها عند كل استحقاق للدفاع عن مصالحها فقط لا غير .
يبدو أنّ أحداً غير مكترثٍ حتى الآن لموقف الرئيس نبيه بري، وهم ماضون دون رجوع إلى ملاحظاته للنجاة من غرق محدق وهذا ما سيزيد من حجم الخلاف الذي ستتّسع له الساحات الشعبية والتي قد تشهد نوعاً من الربيع العربي، مما يعني أنّ لبنان ستزداد أزمته وتشتدّ وطأته لتأخذ البلد إلى مصير يشبّه بشيء ممّا يحدث في البلدان العربية من أزمة نظام غير قادر على الاستمرار بعد أن وصل الى الحائط المسدود.