هل كان على سعد الحريري ان يقوم بجولته الاستطلاعية والاستئناسية على بعض الدول قبل ان يعود ليطلق الحمى في الملف الرئاسي المحكوم بالتعطيل منذ عامين ونصف تقريباً؟
لأنه سبق له ان أعلن أنه لن يعود إلا بحل للأزمة الرئاسية، اطلقت عودته وصعوده الفوري الى بنشعي لمقابلة سليمان فرنجية مرشَحه المُعلن قبل عشرة أشهر، تخيلات صاخبة عن انه سينقل الترشيح الى ميشال عون في الرابية، لهذا بدا في الفترة الأولى وقياساً باستبشار العونيين، ان الأمور باتت محسومة عند الحريري لمصلحة عون، وان التطريز بين جبران باسيل ونادر الحريري رسم سلة مبدئية للحل: عون رئيساً في بعبدا والحريري رئيس حكومة في السرايا.
الحريري لم يقل صراحة إنه جاء ليدعم ترشيح عون، بل جاء لتحريك الملف النائم حرصاً على إنهاء الوضع المتردي، واذا كان من المفهوم لماذا قام بجولة مقابلاته المتلاحقة محلياً، فليس من المفهوم إطلاقاً حاجته الى جولة خارجية، خصوصاً ان ما يسمعه في العواصم يبدو متشابهاً جداً، أن إتفقوا على الرئيس ونحن نبارك لكم، هذا كلام سمعه في موسكو التي يريدها ان تضغط على "حزب الله" على طريقة البلياردو باقناع ايران بالتسهيل، وسيسمعه في باريس وفي أي عاصمة أخرى سيزورها ولله رئيس يا محسنين!
ربما كان عليه ان يقوم بجولته الخارجية ليزيل الألغام التي تواجه الاستحقاق، قبل عودته الى بيروت وتحركه بطريقة أشعلت الاقتناع بأنه فعلاً "وعونك جايي من الله"، ومع انخفاض الحرارة في ميزان الاستحقاق سيستمر تحركه خارجياً، وعندما تعترض بكركي على سلة نبيه بري وهي في المناسبة ليست اشتراطية ولا بوابة إلزامية حتمية على الرئيس العتيد اجتيازها، بل هي صيغة توافقات تسقط التعطيل وتسهّل طريق الحكم أمام الرئيس العتيد وحكومته، نجد ان المحادثات التي تجري بعيداً من عين التينة تتجاوز لون عيون المرشحين الى محاولة هندسة سلة مسارهم والحكم.
عندما يقول البطريرك الراعي إن من واجب الكتل السياسية والنيابية ان تعلن بوضوح وتصارح المرشحين المعروفين، يبرز الدستور الذي تحدد مكاناً وحيداً لهذه المصارحة والإعلان وهو البرلمان، لأن هذا الدستور يفرض على النواب النزول لممارسة واجبهم وانتخاب الرئيس، وهو ما لم يحصل حتى الآن.
وعندما يدعو نداء المطارنة الى انتخاب الرئيس الحكم لا الرئيس الطرف ولا الرئيس الصوري، فذلك يعني ضمناً أننا ندور في حلقة المرشحين الأطراف لا الحكّام، ربما لهذا وغيره أيضاً، على الحريري ان يتأمل جيداً في تغريدة القائم بالأعمال السعودي وليد بخاري، التي أعادت ما سبق للأمير سعود الفيصل أن قاله من ان "جان عبيد هو حكيم وزراء الخارجية العرب"، وهذه تغريدة تغني عن سلسلة من الزيارات الاستكشافية للرياض.