يبدو أن فشل مشروع الرئيسين بري والحريري والنائب جنبلاط دلّ وبشكل واضح على أن القرار السياسي في موضوع الرئاسة هو من اختصاص السيّد حسن نصرالله الذي حدّد ومنذ بدء الاستحقاق الرئاسي اسم الجنرال ميشال عون فقط لا غير , وفتح للمتضررين هامشاً  للمناورة والتعبير عن أدوار تسمح لهم بالاعتراض على عون ريثما يتعبوا من اعتراضاتهم ويتفهموا ضرورة المجيء برئيس ارتضاه الحزب لوفائه بالعهود .

خسر المراهنون على غير عون وباؤوا بفشل كبير وتبيّن للقاصي والداني أن حجم تأثيرهم في اللعبة السياسية محدود جداً ولا يتعدى حدود الاستهلاك وقد ضيعوا المزيد من الفرص لملء الشاغر الأكبر في رئاسة لم تعد كما كانت على عهد المارونية السياسية وفقدت ما كان يعطيها الدستور من صلاحيات كاملة .

لقد كش السيد نصرالله ملكيّ السياسة اللبنانية بري وجنبلاط وأدّب الحريري الذي ذهب بعيداً في رفض عون ومن ثم عاد مطأطأ الرأس خاضع الجبين ً مًقراً برئاسة عون كخيار لا بديل عنه في ظل حزب لا يعرف المناورة أو المغادرة من موقف أساسي أو اللعب على حليف صادق الوعد كما يفعل تيّار المستقبل الذي يتنقل بين المواقف يميناً ويساراً ويتخبط ويتعثر ويبيع حلفاءه بلا أثمان تُذكر .

حتى الآن يبدو أن ميشال عون قد أبصر حلمه القديم وباتت رجله في قصر بعبدا والجلسة القادمة قد تكون جلسة الختام لانتخاب رئيس حدده حزب الله دون امكانية للتعديل أو الالغاء مادامت الظروف على ما هي عليه وما مكوكية الحريري الا ايهام الشارع الذي يبكي من تراجعاته المُذلة بأن موافقته على عون ما هي الا تلبية لرغبات وتمنيات خارجية وتنفيذاً لمصلحة سعودية .

نحن أمام مرحلة جديدة من الصراع الداخلي مع مجيء رئيس بعقلية مختلفة ومزاج صعب وأمام تجربة لعسكري حمل مدفعه وقصف الناس  الآمنين في أكواخهم ودفع بالمسيحيين الى خسارة آخر رهاناتهم عندما فرّ من أرض المعركة وتركهم عرضة للجيش السوري وقاد من المنفى مقاومة ضدّ المقاومة ومن ثم عاد عاصفة مسيحية لم تهدأ حتى الآن وجعله التفاهم مع حزب الله الورقة الأقوى في الحكومات والخيار الأوحد لرئاسة الجمهورية .

ثمّة انتظار لما يجري في سورية على ضوء التهديد الأميركي الجدي لخلط الأوراق من جديد وهذا ما سيعيد النظر في الرئاسة اللبنانية من قبل المترددين الذين وافقوا على مضض وغير مقتنعين بعون رئيساً ولو لسنة واحدة .