من الواضح أن أزمة الرئاسة وليدة مصلحة مشتركة لأطراف الطبقة السياسية الساعية وراء أهداف غير مشتركة ولكنها تلبي نوعاً من التقاطعات بين جهات ترى في الأزمة سبيلاً الى التغيير في بنية الطائف وجوهره السياسي المعتمد على توزيع السلطة والصلاحيات وفق محاصصة غير عادلة أتاحت لحيتان الطوائف فرص السيطرة الكاملة على البلاد والعباد.  فجأة يكتشف التيار الوطني الحرّ الغُبن الذي لحق بالمسيحيين . لذا راح يحرض بلسان مسيحي , حرصاً منه على استنهاض الكبت الموجود داخل مجموعة نزفت خاصرتها من عدة جهات نتيجة آخذها الى التطرف تحت ذرائع متعددة ويافطات مختلفة ومنها : احمل صليبك واتبعني .
هذا الشعار القواتي دفع بالمسيحيين الى جهنم الحروب وجعل منهم مجرد حضور لا قوّة له لأنه خسر كل الشعارات التي خاض تحت سقفها حروب الامتيازات , وبعد أن عقلن القواتيون مواقفهم من الدولة وأيّدوا الطائف كصيغة ترعى مصالح زعماء الطوائف خرج المسيحيون من عبء التطرف وناره وأحقاده وهواجسه ومخاوفه الى راحة التسليم بالاعتدال كطريق مسيحي للنجاة في منطقة أصبح فيها التنوع والتعدد قيد التنديد والتهديد .
بعد أن أسلم حزب القوات واندمج في الواقعية السياسية ودخل في دائرة تحالفات وطنية ملتزمة بالسيادة والحرية وبصيغة الطائف كمرجعية ضرورية نهض التيار الوطني الحرّ من كبوة الرئاسة المصادرة لصالح توافق الزامي بين الكتل النيابية التي ترى في الرئاسة مشروع تفاهم لا تقاتل أو مخاصمة تطيح بوسطية الرئاسة المطلوبة في مرحلة من الانقسام الحاد بين الرئاستين الثانية والثالثة .
أوشك التيار الوطني على السقوط فيما سقط فيه حزب القوات من قبل باعتماد التطرف كمذهب للوصول الى السلطة وحصر التمثيل المسيحي ومعاداة  أحزاب الطوائف غير المتحالف التيار معها, كما هو الحال مع تيّار المستقبل الذي يعاند وبقوّة وصول الجنرال الى قصر بعبدا نتيجة لخوف ومخاوف لها وطأتها على التوازنات السياسية الداخلية وحسابات السلطة .
سنعطل رئاسة مقابل رئاسة وسنرفض حقوقاً مقابل حقوق, كلمة قالها الوزير الصهر في لحظة تحريض مسيحي على مناخ رافض لعون كرئيس للقصر الجمهوري وبنى كلامه الطائفي على ميثاقية لا تحتمل الطعن بتاتاً لأنها تضر بحقوق ومكتسبات الطوائف الأساسية وتلا ذلك سيل من الاجراءات الضاغطة لتحقيق مطلب التيار لا مطلب الموارنة المتوزع بين آراء مختلفة .
لا شك بأن وضع المسيحيين والموارنة منهم صعب نتيجة تجربتهم التي أودت بهم الى ذلك مقارنة على ما كانوا عليه أبّان الامتيازات والصلاحيات الكاملة ولكنهم انصفوا في الطائف الذي أعطاهم ما أعطى غيرهم من حصّة تبدأ بالرئاسة ولا تنتهي عند شيء وهم شركاء حقيقيين وفعليين في السلطة ودونهم لا تكتمل حلقة  دولة الطائف .
ثمّة مشكلة مارونية عند الموارنة أنفسهم وهي متعلقة بحسابات أحزابهم التي تأخذ الطائفة الى وهن أو قوّة نتيجة هواهم في الوصول الى مكتسبات شخصية لا الى دور طائفة  لم يصادره الطائف بل خصصه وقنّنه ولكن قزمه اللاهثون وراء استغلال الماضي لصالح حاضر لا وزن فيه للطائفة التي كانت قائدة وباتت شريكة في قيادة لا يحكمها اللبنانيون وإن توهموا , ولكن يملكها مؤثرون في الخارج من دول يتبع لها اللبنانيون جميعاً ودون استثناء .
إن صريخ الصهر في وادي الموارنة لن يجلب لهم شيئًا فمجيء الجنرال لن يغير قيد أنملة لا في الوضع المسيحي ولا في الوضع اللبناني كما هو حال الشيعة الذين يحسدون على أنهم في أحسن أحوالهم التاريخية ولكنهم في الحقيقة على درجة كبيرة من الحرمان تماماً كما هم السنة الذين يتضاعف في كل يوم شعورهم بالغبن الأمني وتزداد أرقام الفقر في بيئاتهم الديمغرافية .
لا أحد في لبنان يسعد بسلطة يتمتع بها أشخاص باسم الطوائف التي يمثلونها وحاشية لا تتعدّى حدود العائلات القريبة والمنتفعة من زعماء الدولة, وعليه نقول للذين يطبلون بطبل الطائفية بهدف النيل من الطائف لا تتعبوا فالتحولات تصنعها دول ولا تطيح بها دُمىً متحركة تبعث على السُخرية والضحك .