من أين يأتي الرئيس نبيه بري بصبر أيوب الذي استعان ويستعين به دائماً في إصراره وعدم يأسه، ليبتدع في كل مرة ما يجمع هذه القبائل السياسية اللبنانية في ما يشبه "لويا جيرغا"، تنقصها الخناجر التي حلت في محلها الألسن الأشد مضاءً؟

منذ آذار من عام ٢٠٠٦ الذي هندس فيه أبو مصطفى طاولة أولى للحوار، ضمّت في حينه الأقطاب الـ١٤، الى الثلاثية التي انتهت يوم الخميس، وضمت خليطاً من أقطاب كما من هجين مُستقطِبين ومُقطِّبين بنعمة ربك الذي خلق، يكون بري أبو الحوار قد مَرمَر قلبه ونشّف ريقه في ٢٣ جلسة حوارية، كان يعرف سلفاً انها لن "تشيل الزير من البير"، بل ستضع العين في العين على طريقة "لاقيني ولا تماشيني".
لهذا لا بد من القول إنه لو لم يكن هناك في لبنان مسؤول إسمه نبيه بري لكان وجب ان نخترع نبيه بري، ولو لم يكن هناك أبو مصطفى لكنا قطعنا الأمل نهائياً في أن من الممكن ولو "بعد حين من الدهر"، ان تتوصل القبائل كبيرها والمقمّط منها بالسرير، الى مكان غير المتاريس أو على الأقل المناطحة وتكسير الرؤوس وغير الرؤوس.
لكن بري الذي عرف دائماً أنهم يذهبون الى الحوار بمَدقات المي مي ليطرطشوا ما يخترعه لهم من الطاولات مستديرة ومستطيلة، لم ولن يتوقف عن استضافة هذه الحضانة السياسية، التي لست أدري الآن والله لست أدري، إن كنا سنجد فيها من نخلع عليهم من غير شرّ، اسم شيوخ لمجلس لن ير النور قبل ان نبتدع صيغة انتخاب مجلس النواب الوطني من خارج القيد الطائفي [ ويا ذلّي]!
ذات يوم قلت للرئيس بري: كيف تستطيع ان تتحمّل يوم الأربعاء من كل أسبوع فبلَع ريقه مرارة [خليها على الله]، وها أنا اسأله اليوم كتابة: كيف تحملت ٢٣ جلسة حوار طرشان، ومن أين لك هذا الصبر الجميل، وماذ تنتظر من الذين سيعودون اليك في الخامس من أيلول غير تيتي تيتي، وتلك الوجوه النيّرة والأوداج المتورمة ودق المي مي؟
أعجبتني كثيراً "قصة السلة"، قلت سيذهبون الى "عين التينة" ويقعون في السلة، لكنهم داروا حولها على رغم ان حذاقة بري كانت جاهزة: كلوها من فوق الى تحت أو من تحت الى فوق، لكنهم لم يأكلوا ما في السلة عليم الله!
لن يفوتني التذكير بأن رئيس الحوار نبيه بري يفتح فرعاً إسلامياً الى جانب الفرع الوطني، وقد استضاف في عين التينة حتى الآن، ما يقرب من عشرين جلسة لحوار دقّ ماء زمزم بين "حزب الله" و"حزب المستقبل"، وهو يفكر في فتح فرع حواري ثالث!