ما يجري الآن في تركيا من تداعيات الانقلاب العسكري الفاشل يشبه الأحداث التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حيث تم اعتقالات واسع من صفوف كبار وصغار الجيش، أُعدم الكثيرون منهم بدون محاكمة أو بعد محاكمات مستعجلة عقوبة على انتمائهم إلى النظام البهلوي البائد، وكان ثمن تلك التصفيات باهظاً جداً انتبه إلى فداحته الإيرانيون الثوريون عند ما شنّ العراق هجوماً بلاهوادة على إيران. 
وبعد بدء الحرب العراقية الإيرانية عرف الثوار الإيرانيون بأن الضباط الذين تم إعدامهم بشكل مستعجل كان يمكن لهم أن يدافعوا عن البلد في تلك الحرب ويضحوا بأرواحهم في القتال مع العدو المعتدي.
ويمكن القول بأن إيران حتى اللحظة تدفع أثمان تلك التصفيات، لأن إيران كانت تملك خامس أقوى الجيوش في العالم قبل الثورة، ولكن إضعاف الجيش وإقصائه عن الساحة بفعل الثورة والثوار سبّب بشكل مباشر في جميع الخسائر التي تكبّدتها إيران خلال تلك الحرب. 
وما يلفت النظر في تركيا هو أن الرئيس أردوغان لا يريد الاتعاظ عن الماضي ولا ينظر إلى أسباب وجذور والأجواء التي دفعت قسماً من القوى العسكرية والسياسية إلى الانقلاب، وإنما يريد قلع من ارتكب تلك الجريمة وبل كل من كان قلبه مع المجرمين وكان يتمنى انصارهم.
والدليل على ذلك هو أن الذين قامو بالانقلاب لم يكن يتجاوز عددهم المئات، بينما  أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم السبت، أن عدد الموقوفين على خلفية هذه المحاولة بلغ 13.160شخصاً، وبين الموقوفين والمحبوسين 8.838 عسكرياً، بينهم ١١٣ جنرالاً محبوساً، 2.101 قاض ومدعٍ عام، 1485 شرطياً، و52 موظفاً حكومياً، و689 من المدنيين.
وفات الرئيس أن يشير إلى ذبح جندي تركي في الشارع على مذهب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام!
حان الوقت لأن يستيقظ الرئيس أردوغان من سباته الطويل وينظر إلى لائحة السياسيين الذين هجروه هجراً جميلاً من أصدقائه وزملائه من محازبيه في حزب العدالة والتنمية ذا النزعة الإسلامية وليس خصومه الحزبيين. فعند ما يُقصي أردوغان أقرب المقربين منه، فكيف يتوقع أن يكون قلوب المواطنين معه؟ 
إن نزعة أردوغان السلطوية شجّعت الانقلابيين بالقيام بالانقلاب، وإذا يريد الرئيس أردوغان مكافحة ديكتاتورية العسكر وسد الطريق أمام عودتهم إلى السلطة، لا يستلزم ذلك احتكار السلطة في شخص الرئيس وتحويل الرئاسة إلى إمبراطورية.
لم ننس بأن الإسلاميين وبل أغلبية الثوار في بلدان الربيع العربي منذ 2011 أفصحوا عن تبينيهم التجربة التركية وليس التجربة الإيرانية، وها هم الآن ينظرون بأم أعينهم بأن التجربة التركية لم تكن ناجحة لأنها تضاءت شعبية حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى حد أطعمت المعارضين بالقيام بالانقلاب متوقعاً تعاطف أغلبية الشعب، وكادوا ينتصروا لو لم يكن وقوف المعارضين السياسيين مع الديمقراطية ومع أردوغان بالرغم من جميع الخلافات معه، ولكنهم مع الديمقراطية أكثر مما هم مع أردوغان، ولهذا يجب على الرئيس أردوغان بالوقوف مع الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان، وليس سحقها تحت تضاريس دبابات حالة الطوارئ.
إن أسلمة البلد عبر الديكتاتورية حتى لو كانت هذه الديكتاتورية تحظى بالأغلبية لن تؤدي إلى نتائج إيجابية على المدى البعيد، وأرى بأن هناك رغبة عند حزب العدالة والتنمية بانتهاج منهج حزب البعث ( العراقي أو السوري) في تصنيف المواطنين، ما يحتم عليهم الالتزام بالعقلانية وضبط النفس وعدم الانجرار إلى الانفعالية وعدم استخدام السلطة أكثر من اللازم.