من سخرية القدر أن يختلف جمهورية إيران الإسلامية والنظام البعثي السوري على الانقلاب التركي منذ ساعاته الأولى، ففي نفس الوقت الذي خرج فيه مناصرو بشار الأسد إلى شوارع دمشق مرحبين بالانقلاب ومبشرين بسقوط الرئيس أردوغان، أعلن وزير خارجية إيران محمدد جواد ظريف عن الموقف الإيراني المنذّد بالانقلاب على الشرعية في تركيا معبراً عن قلق إيران العمیق تجاه الأحداث في تركيا ومطالباً بالتضامن ونبذ الخلافات في تركيا. وقد أضاف ظريف بأن استقرار الديمقراطية والأمن في تركيا مهم للغاية.

ثم غرد ظريف في حسابه في تويتر بأن دفاع الشعب التركي عن ديمقراطيتهم أثبت بأن الانقلاب لا مكان له في المنطقة.

ولكن مسؤول المكتب السياسي في ديوان الرئاسة الإيرانية ومستشار الرئيس روحاني سبق وزير الخارجية في اتخاذ موقف صارم جداً تجاه الانقلاب التركي قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود في شوارع اسطنبول وأنقرة وبذلك الموقف الصريح فاجأ حميد أبوطالبي المراقبين الذين كانوا يرصدون المواقف الإيرانية تجاه الانقلاب التركي، حيث أن تلك المواقف كانت تحظى بأهمية فائقة بحكم الجوار بين البلدين الذين يسود الهدوء علاقاتهم السياسية منذ 400 عام تقريباً.

والموقف الإيراني الذي عبر عنه حميد أبوطالبي بشكل صريح وشفاف كالتالي: إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر أن الدفاع عن الشعوب والأنظمة النابعة من الانتخابات هو من أهم مبادئها، وأرى بأن الشعب التركي المسلم والجار، سوف يسترد سيادته.

وجاء موقف أمين العام لمحلس الأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني أكثر تحفظاً إذ إنه اكتفى بالقول بأن القوات المسلحة الإيرانية تتابع عن كثب مسار الأحداث الجارية في تركيا، وأن جميع الحدود الجوية والبرية بين إيران وتركيا تحت المراقبة ولا شيء يثير القلق على أمن الحدود.

وبينما كان بعض المحللين المنحازين إلى إيران من أمثال أمين حطيط كان يهنئ المسلمين في مغارب الأرض ومشارقها على الانقلاب التركي العظيم، كان الإيرانيون قلقين جداً على مستقبل العلاقات مع الجارة التي شهدت العلاقات معها على جميع الأصعدة هدوء واتزاناً منذ مجيئ الإسلاميين إلى الحكم بالرغم من الخلافات الاستراتيجية معها في الموضوع السوري. 

الراي العام الإيراني اعتبر بأن الانقلاب التركي العسكري، مؤامرة أمريكية -سعودية -إسرائيلية سوف تعيد تركيا إلى ما كانت عليها في فترة حكم الجيش وتعيق الديمقراطية وتؤدي إلى توتر العلاقات الإيرانية التركية.

وما عمق هذه الروية التشاؤمية هو موقف المملكة السعودية الذي أعلن عن حيادها تجاه الأحداث في تركيا، وربما كانت للسعودية مصلحة في إسقاط حكومة حزب العدالة والتنمية، لأنها وقفت بجانب إخوان المسلمين في مصر وتدعم الإخوان في الخليج، وهذه السياسة لا تصب في مصلحة المملكة.

وما زاد على تخوف الإيرانيين هو الإعلان عن وقوف الزعيم التركي فتح الله غولن وراء الانقلاب، لأن الرجل ليس يُعتبر حليفاً متنسقاً مع الولايات المتحدة فحسب، بل إن لديه نزعة عدائية تجاه الشيعة وإيران بالتحديد، بالرغم من أن المتصوفة عموماً يكنون حباً لشيعة اهل البيت، إلا أن غولن يبدو أنه يغرد خارج السرب الصوفي، وقال في وقت سابق بأن لو كان طريق الجنة يمر من إيران فإنه سيفتش عن طريق آخر!

وقال بعض المحللين بأن أردوغان يدفع ثمن تصريحات رئيس وزرائه ييلدريم الذي عبر قبل يومين من الإنلاب عن رغبة بلده في تطبيع العلاقات مع سوريا.

ولهذه الأسباب لم تكن لإيران أية مصلحة في نجاح الانقلاب التركي، خاصة وأن هذا الانقلاب بحال نجاحه كان من شأنه أن يقوّي موقع العسكر في دولة جارة مثل إيران، التي يخاف الإصلاحيون والمعتدلون فيها من النزعة الانقلابية التي لا يخفيها عدد من جنرالات الحرس الثوري، بحكم الأواني المرتبطة.

ويمكن القول بأن مستقبل العلاقات بين إيران وتركيا سوف يشهد المزيد من التنمية والازدهار، سواء يلقي هذا التحسن المرتقب بظلاله على الموقف التركي من بشار الأسد كما توقعه وتفوه به مستشار المرشد الأعلى، علي أكبر ولايتي مطالباً بتغيير موقف الأتراك من نظام بشار الأسد، أم لم يتغير هذا الموقف، فإن مستوى العلاقات الإيرانية - التركية لن يتضاءل بعد استقرار الأوضاع في تركيا.