استحوذ الحدث في تركيا على كل ما عداه على مستوى المنطقة والعالم، حتى ان جريمة نيس الفرنسية الارهابية صارت خلفنا بالرغم من فداحتها وحجم ضحاياها ومداليلها الكبيرة .


فالانقلاب العسكري الفاشل قفز الى واجهة الاحداث لما كان يمكن ان يسببه لو نجح الانقلابيون في تغيير نظام الحكم هناك لدرجة ان المحلل الاستراتيجي الممانع امين حطيط لم ينس في الدقائق الاولى لمجريات الامور وقبل ان تتبلور الصورة النهائية بان يهنيء المسلمين في مشارق الارض ومغاربها ( والكلام لحطيط ) على هذا الانجاز التاريخي .


لم يخطء المحلل الاستراتيجي وأقرانه من المحللين على اضفاء الحجم العالمي للتحول المرتقب فيما لو تم القضاء على حكم حزب العدالة والتنمية، ومعه كان لا بد من دخول تركيا في نفق من الاقتتال الداخلي لا يمكن اخراجها منه لعقود، لان المجموعة الانقلابية وبغض النظر عن حجمها وحجم ارتباطها الدولي لا يمكن ان تحكم فعليا على ارض الواقع مقابل رفض جماهيري داعم لحزب اردوغان كما اكدت صناديق الاقتراع اكثر من مرة .


وهنا لا بد من الاشارة في ظل تعدد الاتهامات عن من يقف خلف الانقلاب ومن تسبب به واعطى الضوء الاخضر لتنفيذه، ومن اجل الوصول الى نتائج نهائية في هذا السياق فلا بد من السؤال البديهي في مثل هذه الاحداث الضخمة عن المستفيد الاول 


وقبل  الدخول في دهاليز محاولة الاجابة عن السؤال البديهي لا بد من الاشارة ان تركيا قد شهدت في السنوات العشر الاخيرة قفزات مرعبة على المستويات كافة ابتداء من الاقتصاد الصاعد مرورا بالسيادة وتبلور الشخصية التركية المستقلة ووصولها الى حجز دور اقليمي مستقل في المنطقة .


وبجردة سريعة على المتضررين من الدور التركي الحديث ومن سياسات اردوغان فاننا لا  نستطيع ان نستثني احدا ولو بدرجات متفاوتة، فايران المنفتحة اقتصاديا على تركيا الا انها ترى فيها منافسا شرسا على الساحة السورية، روسيا بوتين وان عمل على انهاء الازمة الاخيرة الا ان آثار الكف التركي باسقاط طائرة السوخوي لم تزل مرسومة على خد بوتين، اميركا التي تعتبر تركيا كعنصر مشاغب في حلف الناتو ولا تأتمر بأوامر البيت الابيض لا يسعها تحمل هذا الشغب وانتظار رضى انقرة اذا ما ارادت السير في خارطة طريق بالمنطقة بحيث تجد نفسها مجبرة على دعم فصيل كردي كوسيلة ضغط او ما يشبه ذلك، 


اسرائيل التي ترى بالنظام التركي خطر وجودي على كيانها القائم اصلا على دعوى حصرية الواحة الديمقراطية بالمنطقة، فلا يمكن ان تقبل بقيام تجربة حكم ناجحة على جغرافيا العالم العربي والاسلامي، وهذا ما لا يمكن ان تسمح به او تجاريه خوفا من تحول الديمقراطية التركية الى نموذج يحتذى مما يعني انهاء مبرر وجودها في المنطقة فاعدى اعداء اسرائيل والاخطر الحقيقي بالنسبة لها ليس حجم الصواريخ والطائرات بل الحريات والديمقراطية 
وان كنا ننسى فلا يجب ان ننسى الازمة الاوروبية التي احدثتها امواج تسونامي اللاجئين السوريين الذين رحلو من الشواطئ التركية باتجاه الغرب .


بالمحصلة يمكن القول ببساطة ان رغبة دولية تكاد تكون شاملة يمكن ان تكون هي من تقف خلف ما حدث، ويمكن القول ايضا ان نزول الشعب التركي الى الشوارع بصدوره العارية رافعا فقط وفقط العلم التركي للدفاع ليس عن شخص اردوغان بل كما عبر الشعب نفسه " للدفاع عن  مؤسسات الدولة " استطاع ان يجهض هذه الرغبة الدولية، فالدول والانظمة التي تحميها الشعوب لا يمكن الا ان تكون هي الاقوى، ليتحول الحديث بعد ذلك عن اي " مؤامرة " مهما كبر ومهما كان من يقف خلفها ان كان فتح الله غولن او كان العالم اجمع الى مجرد " حكي تركي "