كانت معركة القصير قاسية جداً لناحية الخسائر والصعوبات الميدانية المنهكة لقدرات مقاومة وجدت نفسها أمام عدو من نوع آخر لا يشبه المحتل الاسرائيلي بشيء الاّ أن النتائج جاءت لصالح حزب الله الذي ربح وعد أمينه العام بالنصر الذي ختم الجروح النازفة ومنح أملاً ممكناً في استعادة النظام السوري لعافيته .
هذا النتيجة المُرضية لحزب الله  لم تكن الهدف الوحيد أو الممر لتصحيح الخلل في الجغرافيا السورية لصالح الأسد اذ أن منطقة القصير لم تكن سوى معركة من معارك مفتوحة حتى ظهور المهدي "عج" وأن الربح والخسارة في الميزان السوري معادلة جوفاء في ظل مساحة شاسعة لا يمكن لجيوش جرارة  أن تسيطر عليها وأنها محكومة بمعادلة الكرّ والفرّ ومن شأنها أن تستنزف قدرات الجميع دون الوصول الى أهداف كبيرة وهذا ما أسّس لخطوط تماس متنقلة بحيث أن المعادلة بين النظام والمعارضة معادلة مراوحة في الأمكنة بحيث أن التقدّم خطوة والتراجع خطوات ديدن العمليات العسكرية ولهذا لم يفلح أحد في فرض نفوذ معين على الواقع ولم يستطع أن يفرض الشروط اللازمة لحلّ يرضيه الأمر الذي مكّن الدول الكبرى من السيطرة على الأزمة واحتواء الحرب بما يخدم مصالحها لا بما يخدم مصالح السوريين أو الذين يموتون في سوريا .
تبدو المسافة المقطوعة عسكرياً من القصير الى حلب كافية لمشاهدة الحرب وتفاعلاتها واشتباكاتها المتعددة والتي تسهم في تعزيز ثغرة الداخلين اليها طوعاً أو كرهاً لأنها معقدة وغير سهلة فمن خطاب القصير المنتصر الى واقع الحال المهزوم في حلب ثمّة رؤية واضحة وفاضحة لمن يرى في الحلّ العسكري خياراً لبقاء الأسد في سدة الحكم .
لقد قاتل الحزب  أيام القصير وحده وعاونه الجيش السوري ولم يكن العراقيون والأفغانيون قد استقدموا الى سوريا ولم يكن الايرانيون حاضرون مباشرة على أراضيها ولم يكن الروس قد دخلوا اليها جوّاً وبحراً وبرّاً وكان السوريون المعارضون وحدهم يدافعون عن حصارهم الذي سقط عنوة وبالتفاهم الأخير ليتم بعدها تحرير القصير بعد أن دُكّت دكّاً .
أما اليوم فالمحتشدون كثيرون واللعبان الاقليميان الروسي والايراني حاضران  بكامل قوتهما في سوريا ويخوضان مع النظام والآخرين معارك حلب التي تقدّمت فيها المعارضة وانكفأ فيها النظام في ظلّ مروحة واسعة من الأسماء لشهداء الحزب .
عندما دخل حزب الله الحرب السورية كان في قمّة معنوياته التي وفرها له الانتصار الكبير على المحتلين الاسرائيليين وحشد نخباً عسكرية في محاولة لإعادة التجربة مع عدو لم يخبروه  المجاهدون وظنوا أن هزيمة الجيش الذي لا يقهر مدخلاً للانتصار على الجميع وفاتهم أن امكانية الانتصار على الاحتلال ممكنة في أيّ وقت ولكن ثمّة استحالة لتحقيق انتصار ما على أي جهة عربية  باعتبار أن اليهود يخافون على جيشهم ويحترزون من الخسائر التي تلعب دوراً أساسياً في مواقفهم وخياراتهم السياسية في حين أن العرب والمسلمين آخر ما يكترثون به عدد الأموات والضحايا لذا لا يمكن المقارنة بين حرب وحرب ونتيجة ونتيجة اضافة الى شروط مطلوبة هي غير متوفرة في الحرب السورية لاعتماد نفس الخطط وطرق المواجهة في أرض يعرفها أهلها ويفهمون تربتها أكثر بكثير من الوافدين اليها .
من هنا لم ينجز حزب الله ما وعد به وكان يعتبر أن الحرب هناك نزهة بالنسبة اليه طالما أنه قهر من لا يُقهر فلا الشام نظفت لصالح النظام ومازال الريف على حاله ولا أحياء دمشق تمّ الدخول اليها رغم استخدام النظام للمواد السامة في الغوطة ولا تمكّن من حيّ جوبر اضافة الى أحياء دمشقية عديدة وكان يقول أن الحرب مسألة أيام فاذا بها تزداد سنيناً وناراً وهي مدعوة الى المزيد من التأجج لأن الشعب السوري قادر على تحمل الحرب بأعبائها وكلفتها والخسائر البشرية بالنسبة اليه يضاعفهم الموت وهم لا يشعرون بمن فقدوا ما دامت ولاداته أكثر بكثير ممن يدفنون في التراب .
لا يستطيع حزب الله مغادرة الحرب لذلك سيذهب مجدداً الى حلب لإسكات صوت الهزيمة  وسيدفع أثمان نصرة النظام مع النصرة السورية التي استلت سيوف خالد ابن الوليد وصلاح الدين و آخرين من أجيال القتل من روّاد تجربة الخلافة الاسلامية .