كان بيان حزب الله مقتضباً نعى فيه السيّد المجاهدّ مصطفى بدرالدين وحدّد فيه السبب والمُسبب وكان الارهاب كافياً وحده لتحميله مسؤولية القتل والفعل في حين نفى فيه الأمريكيون والاسرائيليون والارهابيون مسؤوليتهم عن عملية الاستهداف الطائش لصاروخ  ضائع حقق هدفاً مباشراً عجزت عنه أسلحة مبرمجة وبتقنيّات عالية ولم تدركه ولم تطاله وبقيّ شبحاً في أعين الباحثين عنه من أصحاب شبكات التجسس في العالم .

أمام الاتهام والنفيّ أسباباً كافية للبحث عن ألغاز الموت في سورية لقادة من الصعب أن يتمّ استهدافهم عن طريق الصدفة أو بسهولة تخترق فيها كل التدابير التي حمت عماد مغنية ومصطفى بدرالدين في أصعب حالات الملاحقة الدولية المخابراتية لهما وهذا ما يدفع الى رؤية الفراغ الأمني في سورية وهشاشته من قبل نظام مخابراتي تكاد أن تنعدم فيه وسيلة الحماية الأمنية بحيث أن الجميع مكشوف في سورية حتى الأسد نفسه وهناك امكانية دائمة ومتوفرة باستمرار للنيل من الرموز الصعبة بسهولة الرصاصة الطائشة التي تخترق صدر الهدف دون تخطيط مسبق .

عندما يكون الأمن مفتوحاً في سورية ولهذه الدرجة من عدم الحماية يصبح الوجود فيها غير مشجع على الاطلاق ويبعث على الشك والريبة ويدل على مستويات أمنية مخيفة وهي تشير وتُبشر بكوارث كونها تستهدف كبار القوم وبأبسط الحسابات وكأن المطلوب من هذه الحروب التخلص من أشخاص كانوا مستعصون على الموت نفسه الاّ اللهم اذا كانت السير الشخصية والبطولات المعروفة والمشهورة هي نسج خيال لأبطال من ورق كما هم في " الأقصوصات  " الأسطورية .

وعندها نكمل السرديات عنهم وندّعي عدم موت أحد منهم لأنهم لا يموتون ويبقون أحياءً ما دمنا نؤمن بأن أعمار البعض لا مساس لها وأن من في التوابيت أخرين "مواتون " ولا يقدرون على الحياة كونهم من طينة الموت ولا تتوفر لهم الماكنة الاعلامية المطلوبة لنشر خرافات يبصرها الجاهلون ويؤمنون بها ايمان العجائز الذي لا يتحرك ولا يتزحزح من مكانه وبالتالي يصح الاستماع الى من يقول بعدم موت عماد مغنية ومصطفى بدرالدين وبأن شهادتهما مجرد سعي لإخفاء حقائق يجب أن تبقى مدفونة .

أعتقد أن الأمن في سورية لا مجال فيه لاقصوصاتنا وهلوساتنا وهو سيف مسلط على الرقاب ويُنذر بإراقة دماء كثيرة إن لم تُتخذ مواقف سياسية أكبر من التدابير الاحترازية لأنها ساقطة في سورية ولا مجال فيها للحديث عن أطياف وألطاف الهية وأشباح يمرون سراعاً دون أن يراهم أحد .

إن ما نسجته المخيلة الجنوبية وما أسطرته من أحداث وأبطال لا ينفع في سورية على الاطلاق والمُضي قدماً في التصورات الغيبية سيأخذ منا كل شيء ولن يترك لنا أحداً ممن أسطرتهم الأسطورة وجعلتهم خارج جلدتهم وخارج عدسة العين وفي مجرات كونية شاسعة لا تلتقطها حتى عدسات وكالة ناسا الفضائية.

طبعاً لا مجال للبحث أو للحديث عن خروج حزب الله من شباك الأمن في سورية كما أن البقاء في خرومه سيصطاد الكثيرين من القيادين لذا تبدو حماية البعض منهم مطلوبة وتصبح امكانية تواجد السيّد حسن نصرالله في سورية لأمر ما هدفاً محتملاً لذا نصح الحريصون على أمن أمين عام حزب الله بعدم ذهاب السيّد الى سورية ومهما بلغت الضرورات والأسباب لأن حياته هناك غير مضمونة كما تمّ منع حضور القائد سليماني الى سورية بعيد اغتيال بدرالدين من قبل اصدقائه الروس .

وعليه تبقى سورية أسيرة حربين مدمرتين واحدة عسكرية والثانية أمنية وحزب الله مدعو باستمرار الى دفع  أثمان فواتيرها الغالية الدماء .