لم يكترث الاتحاد السوفياتي لتركيبة المجتمع الذي صادره وتسلط عليه باسم الأممية والاشتراكية وأيقن أن التعاليم الماركسية كافية لإبعاد واستبعاد شعوب السوفيات عن أديانهم وفي لحظة السقوط التاريخي وبسرعة الصاروخ الروسي نفسه انتهى حكم الجزمة الستالينية وانتشر الناس كالجراد في الكنائس والمساجد لأن الشيوعية حرمتهم قسراً من دين يتعاطون معه تعاطي العادات والتقاليد الموروثة ونتيجة للضغط الالحادي والعوز والفقر الاقتصادي. ودخلت شعوب الاتحاد السوفياتي في أديانها من جديد ولكن من أبواب التطرف كردّ فعل على التطرف الشيوعي الإلحادي .

يُضرب المثل الروسي ليتعظ أهل الاستبداد من تجربة حديثة عانت من خلالها الشعوب المحكومة بالنار والحديد وبالحزب التاريخي والقائد الواحد والاعلام الواحد والخيار الواحد ويلات دفعتها الى الانتحار بحثاً عن وسيلة نجاة الى أوروبا الغربية من قبل أن تتحرر نهائياً على يد المصلح الانساني ميخائيل غورباتشوف وتذهب باتجاه مذاهب شتى .

طبعاً المثال يُضرب ولا يقاس كما يقول المناطقة لأنه لا امكانية لمقاربة اتحاد سوفياتي ودولة مركزية تقاسمت زعامة العالم مع الولايات المتحدة بحزب طائفي محدود بحجم جنين أمام مارد أسطوري ولكن المشترك بينهما يدفع الى المقارنة باعتبار أن أهل الاستبداد مذهب واحد وان اختلفوا في الأحجام وملّة واحدة محكومة بأسباب ونتائج مشابهة تماماً لبعضها البعض .

رغم أن الطائفة موالية للحزبين الشيعيين في كل شيء حتى في المخيال وحالات اللاوعي ساعة استراحة العقل بفعل فاعل او بفعل النوم الطبيعي يتمّ استبعاد غير المتوضئين بماء الحزب عن اقامة صلاة الجماعة في البلدية كونها سلطة محلية يجب أن تكون محكومة من قبل مسؤولين مباشرين في التنظيمين الشيعيين اللذين يتقاسمان حصصهما في القرى والبلدات الجنوبية بطريقة مستبعدة لكل من هو خارج أطر الحزبين . وتبدو لائحة التنظيمين مُجازية للمؤيدين وللمناصرين من الجنوبيين اللذين دفعوا أثمان الوقوف معهما في الضرّاء منذ بدايات حركة أمل وحتى نهايات المقاومة في تحرير الأرض ومازالوا على وعودهم ولم ينحازوا يوماً لغيرهما لانعدام وجود الثالث أو الخيار الآخر لنفي الموضوع بقوّة قاهر .

ضدّ من تُشكل لائحة أمل وحزب الله في الجنوب ؟ ولصالح من يُقطع رأس المرشح المستقل ؟ _ اذ لا يوجد بيننا لا مستقبل ولا قوّات ولا نصرة ولا" دواعش" ولا من يحزنون _ ولماذا يصرّ الجنوبيون على ترك الحزبيين للشأن البلدي لآخرين غير حزبيين ؟ أسئلة كفيلة بإعطاء أجوبة ذات نتائج مباشرة تدل على عمق العلاقة القائمة وأزمة الثقة المفتوحة من قبل الثنائية الشيعية بأشرف شعب والاّ لتنحى الحزبيون وعادوا الى جهادهم الأصغر في جبهة تحتاج الى كل جندي لا الى رؤساء بلديات ومخاتير وتركوا للجنوبين غير الحزبيين ادارة شؤونهم بمؤهلاتهم العلمية لتحسين شروطهم الاجتماعية التي انتفت كلياً مع بروز بلديات ذات طابع حزبي .

ان حالة التململ في الوسط الجنوبي تعكس بشكل واضح ارادة ضدّية غير منسجمة مع إرادة الشيعية الحزبية في الانتخابات البلدية وهي محصورة في مجالات المجتمع المدني ولا يدّعي أحدٌ أن هناك حالة تململ سياسي من الحزبين حتى نكون منصفين في توصيف الواقع الجنوبي الذي تتفاقم فيه الخلافات بين لائحة حزبية وأخرى جنوبية غير حزبية وهذا ما يستدعي من القيادتين تلبية احتياجات شبكات الرأي الى دور في المجتمع المحلي والمدني والاّ فعصا المُصادرة ستكون سلبية وستؤول الى فشل مشابه لكل من سوّل نفسه لاختزال الناس ومسك كل الأوراق بيد واحدة لأن ذلك سيحرقها بعود كبريت واحد لا أكثر ..

ظني أن العقل الشيعي متأثر بتقنيّات العمل الماركسي لهذا يُغالب الناس في حقوقهم ولم يكتشف بعد أن قوة سيطرته مجالاً حيوياً لحركة المحرومين التي تحكم لا لتحاكم أو لتثأر بل لتضاعف مجهودها الجهادي داخل السلطة المحلية لإحداث تغيرات جوهرية في الواقع التنموي .

حتى تتحسن صحة العقل الشيعي يكون الأوان قد فات أو مات تماماً كم كان حال الاتحاد السوفياتي الذي لم تفلح معه عقاقير الاصلاح في آخر حياته فمات ميتة مروعة .