منذ اصدار وعد بلفور المساند للتواجد اليهودي في فلسطين , أصبح القادة الصهاينة طرفاً جديداً وهاماً في الشرق الأوسط. وبناءً على طلب الحكومة البريطانية , اصطحب لورنس " العرب " الأمير فيصل بن الحسين معه من باريس الى لندن قبل افتتاح مؤتمر باريس للسلام أعماله في 18 كانون الثاني 1919 , حيث توسط البريطانيون لتنظيم لقاء سري بين فيصل والقائد الصهيوني حاييم وايزمن . كان البريطانيون يقدمون مساعدات بقيمة 150,000جينة استرليني في الشهر للأمير ,بينما كان الصهاينة يرسلون مستوطنين يهوداً الى فلسطين .

ويضيف ريز إرليخ في كتابه ( داخل سورية ) بأن فيصل قد التقى وايزمن في 3 كانون الثاني 1919 , واتفقا على رسم للحدود يضمن وجود بلدين : بلد عربي وبلد يهودي , حيث يتم إنشاء دولة تحكمها الحركة الصهيونية في فلسطين بينما يحكم الهاشميون باقي البلاد .

وقد ذيل الأمير فيصل هذا الاتفاق بملحق كتبه بخطّ يده وصرّح فيه بوضوح أن هذا الاتفاق لن يسري الاّ اذا وفى البريطانيون بوعودهم وقت الحرب بإعطاء العرب دولتهم المستقلة .

وما كتبه فيصل في الملحق هو التالي : " إذا نال العرب استقلالهم كما طلبناه في تقريرنا المؤرخ في 4 كانون الثاني سنة 1919المقدم لنظارات خارجية حكومة بريطانيا فإنني موافق على ما ذكرنا في طيّ هذا من المواد و إن حصل أدنى تغيير أو تبديل فلا أكون ملزماً أو مربوطاً بأي كلمة كانت بل يعد هذا الاتفاق وكأنه لم يكن ولا حكم له ولا اعتبار ولا أطالب بتنفيذه بأي صورة كانت .

طبعاً لم تكن بريطانية مستعدة لتنفيذ اتفاق فيصل – وايزمن لذا بقيّ حبراً على ورق ولكن قامت دولة اسرائيل عام 1948 اغتصاباً لفلسطين ومنذ تلك اللحظة التاريخية والصراع مع الكيان يتراجع الى مستويات أقل بكثير مما يرتجى منه لأسباب متعددة أماتت القضية الفلسطينية وجعلتها تكئة لأغراض غير فلسطينية .

لو أن الاتفاق أبصر النور وأوفت بريطانيا بوعودها لكان مجرى التاريخ العربي مختلف جداً و لأراح الأمّة من نتائج كارثية  و مازالت تتطواح في منطقتنا بشكل مجنون جعل من فلسطين قضية يعيش على أمجادها المستبدون العرب والتائهون من الرجعيات العربية باتجاه الثورات والمقاومات لتعزيز مصالح قادة صغار وكبار دون المساهمة في ما يعطي فلسطين أملاً جديداً ووعداً بنصر بدلاً من هزيمة نكراء لا بإرادة يهودية أو صهيونية بلا بإرادات فلسطينية وعربية وآخر هذه الإرادات القاتلة للروح الفلسطينية تصدع السلطة الفلسطينية ما بين حركتيّ فتح وحماس وذهاب ريح المقاومة تجاه حلب ومدن سورية ويمنية وعراقية لتعزيز أسباب أخرى لبقاء اسرائيل كقوّة مسيطرة على الجميع وككيان يتخذ أوساع جديدة في منطقة تضيق بالعرب لتدمير بُناهم بوسائط أعجمية وعربية وتفتح شهيات مشابهة لشهية الهوية اليهودية بإندفاع الجميع نحو تقسيم العالم العربي الى هويات طائفية ومذهبية ليس بمقدورها المساهمة الاّ في فتح المزيد من القبور .

لو مُكّن فيصل من هدفه المقايض استقلال العرب بمشروع الدولتين لوفرّ علينا وعلى من سبقنا وعلى من سيلحق بنا أطناناً من الدماء وبحوراً من الحبر ولهدأ من طنين ذكور النحل الذين أثقلوا أسماعنا بحطب رنّانة من جيل البندقية المعطلة في بور سعيد الى جيل الصاروخ  الضائع والطائرات التي تحوم فوق جثث عربية لا اسرائيلية في سورية واخواتها من دول التصدي والصمود لحفظ الاستبداد لا لتحرير الأراضي العربية .

ما دامت النتائج هي ضياع العرب لا فلسطين فحسب وما دام العدو الحقيقي هو السوري والعراقي والليبي واليمني والبحراني والفلسطيني واللبناني فلماذا لعنّا الفيصل بن الحسين بألسن اشتراكية وقومية والاسلامية ولمناه على جريمة نحن روّادها وطلائعها .

بتقديري أن الفرص التي أتاحها المتهمون بعمالة واضحة أفضل بكثير من الواقع الذي يدفع الجميع الى عمالة مبطنة تُغذي العدو بالأسباب الكافية لهزيمة الأمّة  واذا كان عام 1948 قد شهد قيام الدولة اليهودية في فلسطين فإن عام 2016 يشهد سيطرة هذه الدولة الغريبة على المنطقة بكاملها .