تبيّن في لحظة من الربيع العربي السوري أن الجيش البعثي المُعدّ لفلسطين طيلة 40 سنة ما هو الاً نكتة دفع أثمانها السوريون غالياً اذ زادهم نغم تحرير الجولان رهقاً وفقراً وعوزاً لأن الثروة السورية ذاهبة باتجاه فلسطين من خلال بذل المال للمجهود الحربي وللمؤسسة العسكرية طلائع البعث العربي الذي سيحرر الأرض المغتصبة من المحتل الغاصب.

في كل سنة كان ينتظر العرب وثبة الأسد على مُفترس فلسطين والجولان ولكن ضاع انتظارهم سُدىً ودون جدوى اذ كان البعث بشقيه السوري والعراقي مشغولاً بالسجون وتكديس الأموال وتأديب الشعوب ولم تسنح الظروف الموضوعية له كيّ يكون قاب قوسين أو أدنى من فلسطين التي أحبها بالقدر الذي اتاح له حكم سوريا والعراق لأكثر من 40 سنة .

ومع دخول الولايات المتحدة للعراق سقط الجيش العراقي أقوى الجيوش العربية بسويعات وتمّ القاء القبض على الفار صدّام حسين كفأر في بئر ومع الربيع السوري ومن ثمّ الحرب السورية تفسخ الجيش وبات عاجزاً عن استرداد حيّ في دمشق القديمة وتفرغ ضباطه وجنوده لكسب المال فباعوا ما يُباع من مواقع و أعتدة وأقاموا الحواجز للتفتيش عن الأموال من الشعب السوري ولا فرق في ذلك بين الجيش النظامي وبين الجيش الحرّ لأن عقيدة التشليح واحدة وقد تربوا عليها في مدرسة البعث .

ومنذ السنة الأولى للحرب تبيّن أن النظام فاقد لقوة العودة الى ما قبل الحرب وأن الجيش في مكان آخر غير التحرير وأن الطائفة التي ظنّها النظام معنية في الحرب لحفظ سلطة لم تكن لها فعلياً غير قادرة على الموت من أجل العائلة الحاكمة لهذا قررت ايران القتال عن النظام الواهن والمشغول جيشه وبعثه وطائفته في حسابات الثروة أكثر من حسابات السلطة وحفظت النظام من السقوط السريع .

لم يكن حال المعارضة أفضل من حال النظام فالجيش الحرّ كما ذكرنا معني بكسب الأموال وهذا ما دفع أو ما ساهم بولادات جديدة لمعارضات اسلامية متطرفة بحيث توفرت في سوريا فرق وكتائب وألوية ورايات بحجم الأسماء التي مرّت في التاريخ الاسلامي حتى أن الخلفاء الراشدين ومن دونهم شوهدوا في سورية من خلال الجماعات التي انتحلت أسماءهم وصفاتهم  ولحاهم ولا ننسى أن دخول " داعش " الى سورية سببه اخفاق الحرّ في الميدان ومزاولة أعمال البيع مع جيش النظام خاصة وأن حواجزهم متلاصقة ويتبادلون ما يحتجونه من تموين في ما بينهم من جرار غاز وشاي و سُكر ومواد أخرى و هناك وسطاء بينهم يقومون بعملية التنسيق فيما بينهم اذا ما أرادوا شراء موقع هنا أو أسلحة هناك بحسب الحاجات الميدانية المُلحة .

أمّا الحديث عن المعارضين السياسيين فحدث ولا حرج فهم يتقاتلون على وهم لا على حقيقة ويختلفون في ما بينهم على كل شيء من الفندق الى ركوب الطائرة الى طاولات الحوار الى الموائد والصور والرواتب والميزانيّات وهم غير مستعدين للحضور الى سورية والوقوف مع الشعب السوري ويكتفون بالتضامن مع الثورة السورية من اسطنبول وجدة والقاهرة ولندن ودول أخرى أتاحت للمعارضة فرص أن تكون ممثلة للمعارضة السورية .

لقد طالعنا السفير السوري الجعفري بموقف مدين للبنان حين رفض أن تكون سورية دولة فاشلة شبيهة بدولة لبنان وقد غفل عن السوري الجعفري أن اللبنانيين يميناً ويساراً سلطة ومعارضة قاتلوا بعضهم في الحرب الأهلية وماتوا على متاريسها ولم يهربوا من نارها كما يفعل السوريون في السلطة والمعارضة تاركين لغير السوريين أمر ادارة الحرب .

لقد هرب السوريون من معركتهم وتركوا للآخرين أدوار الدفاع عنهم سواء في السلطة أو في المعارضة وما النزوح السوري الكثيف الاّ مشهد لم نشهده حتى في الحروب المشابهة لما يجري في سورية فهذا اليمن بأهله موجود في مواقع القتال أو في المخبأ ولم يفترش بلدان العالم هرباً من حرب ستحدد طبيعة مستقبله السياسي ودوره في شرق أوسط جديد كما فعل ويفعل السوريون .