تحت أمواج الأزمة السياسية العميقة التي تجتاح العراق وتكاد تطيح برئيس الحكومة حيدر العبادي، ودخول العراق بعده في نفق مظلم، جاءت زيارة السيد مقتدى الصدر المفاجئة إلى بيروت من أجل لقاءه مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله  المضحك في كل هذه الخبرية أن مقتدى الصدر لم يأت لزيارة نصرالله بوصفه زعيماً لبنانياً، أو أمين عام حزب شيعي لبناني، وإنما كما هو معروف أن الهدف من الزيارة جاء على خلفية الاشتباك السياسي بين السيد مقتدى من جهة وبين الجمهورية الايرانية وأدواتها على الساحة العراقية من جهة أخرى، وبالتالي وكما هو معلن فإن الهدف من الزيارة السعي من أجل معالجة هذا السوء التفاهم.

   إذ كيف يمكن اعتبار لجوء السيد مقتدى إلى بيروت للاستفادة من تجربة نصرالله السياسية وطريقة اجتراح حلول لأزمات العراق وما يعانية من إخفاقات، في لحظة أن لبنان يعيش أعقد أزماته التي لم يشهد مثيلا لها حتى في أوج حربه الاهلية من فراغ رئاسي وتعطيل لمؤسساته الدستورية و"كربجة" للحياة القانونية والاقتصادية وحتى الامنية.

 بالخصوص أن حزب الله وحلفائه هم من يقفون خلف كل هذا التدهور، وعليه فمن المستهجن أن يكون مقتدى الصدر قد جاء للاستلهام من تجربة الأداء السياسي للسيد نصرالله وحزبه في حين أنه يعجز أو على الاقل ليس عنده أي مساهمة تذكر في حل أزمات بلاده.

 ومن زاوية أخرى فإن السيد مقتدى الصدر الذي يحاول جاهدا أن يقدم نفسه في الفترة الاخيرة للشارع العراقي كمصلح اجتماعي ورأس حربة في محاربة الفساد والسرقات والنهب للمال العام الذي شهده العراق في الاعوام الفائتة تحت حكم حزب الدعوة برئاسة حليف حزب الله الاول نوري المالكي، وما قيل عن مشاركة مباشرة لحزب الله في الاستفادة من أموال الشعب العراقي وثرواته التي كانت ترفد خزائنه بقرار من المالكي وبتغطية وأوامر إيرنية للتخفيف من حجم الضغوط التي كانت تتعرض لها الجمهورية في السنوات الاخيرة بالخصوص بعد هبوط أسعار النفط من أجل تأمين دعمه في الصرف على نفقات حربه في سوريا. 

صحيح أن علاقة مقتدى الصدر بالجمهورية الايرانية لم تصل إلى حد القطيعة أو الانسداد، وهذا ما يفسر تزامن إرساله وفدا مما يسمى بالهيئة السياسية للتيار الصدري إلى طهران في نفس وقت تواجده هو في بيروت، مما يعني أن القضية لا تعدو أكثر من أزمة داخل فريق الولي الفقيه نفسه، وهذا ما ينزع عن مقتدى الصدر كما عن السيد نصرالله أي سمة وطنية بالمعنى الدقيق للكلمة، فإذا كان السيد نصرالله هو " جندي " عند الولي الفقيه ( كما صرح )، فإن مقتدى الصدر أيضا ومن خلال أداءه السياسي المتعثر والمبهم والمعقد على الساحة العراقية فإنه يريد أن يُفهم الايرانيين أنه هو الآخر حاضر أن يكون جنديا عند جندي الولي الفقيه.

 في المحصلة أن زيارة الصدر إلى بيروت في هذه اللحظة لن تساهم إلا في المزيد من تعقيد الوضع السياسي في العراق وسوف تعزز النظرة المذهبية للمشروع الشيعي بوصفه مشروعا يتخطى حدود الدولة الوطنية، وتقديم الشيعة العرب على أنهم ليسوا أكثر من عناصر في المشروع الايراني بالمنطقة مما يعني المزيد من تسعير نار التطيف التي تضرب عالمنا الاسلامي، وإن تدخل حزب الله الفاضح بالشأن السياسي العراقي وأزماته سيحمّل شيعة لبنان أعباء إضافية وتوسعة في دائرة الخصوم والعداوة بعد إدخال سنّة العراق عليها،بعد أن نجح ببراعة في إدخال سُنة سوريا، وهنا مكمن الخطر .