خير فعل طلال سلمان عندما خنق صوت الذين لا صوت لهم وأقفل باب جريدة السفير بعد أن ماتت الأخبار الورقية وانتهى دورها التقني رغم أن هناك الكثير من الصحف التي سقطت برصاص التجربة الصحفية من قبل أن تسقط بدواعي مالية أو سياسية في لحظة انهيار لمشروعات كانت تعمّ المنطقة العربية المتفاعلة مع معطيات الثورات والتحرير من الاستعمارين الدائمين في الداخل والخارج .

  عاصرت صحيفة السفير تيّارات سياسية متعددة الأشكال والألوان واستطاعت أن تكون في المقام الاعلامي الأول داخل صيغ ثورية عربية من ذوات الاتجاهات القومية والفلسطينية داخل منظومة منظمة التحرير الفلسطينية ولبنانية بمفاهيم يسارية ذات مضامين ماركسية وعكست بنشاطها الصحفي ارادة المواجهة مع هذه القوى ضدّ الرجعيّات العربية وضدّ العدو " الغاشم " وضدّ الدولة اللبنانية بطابعها الماروني وهي بالتالي كانت في احدى أدوارها مساحة حزبية تلبي غايات قومية ووطنية جعلت منها ورشة اعلامية متصالحة مع الاستبداد الثوري ومتواجهة مع الاستبداد العربي الرجعي بحسب خارطة الأنظمة العربية السائد فيها رجعيّون استبداديّون وثوريّون أكثر استبداداً وهم أصحاب رتب نضالية نقلوا المجتمعات العربية وحيث حكموا من السجون الفردية الى السجون الجماعية وكانت تهمة العمالة جاهزة لكل من تسوّل له نفسه الحديث عن التنمية والمشاركة السياسية .

  هذا الدور الملعوب من قبل جريدة السفير سهل لها حضوراً قوياً في البيئات الفقيرة والمستنهضة لتغيير واقعها الاجتماعي الأمر الذي اتاح لها الاستمرار كوسيلة نضالية رغم ما قست الظروف على الواقع الحزبي في لبنان والعالم العربي وما شاب القضية الفلسطينية من شوائب فضح الكثير منها الاحتلال الاسرائيلي لبيروت في لحظة تخلي المقاتلين عن قتالهم الموهوم ضدّ عدو تبيّن أنّه من صنع الوهم لا علاقة له بالحقيقة التي جرفت تيّارات تحرير فلسطين ورمتهم خارج الزمن لتبدأ مرحلة جديدة سادت فيها أحزاب طائفية سرعان ما تكيفت السفير معها وعبّرت بحدّة عن احدى الطوائف القائمة من حرمان مزمن وأبقت على يسارية مهنية وشعارات انشائية كانت قد استهلكتها منذ النشأة وحتى سقوط مرحلة منظمة التحرير الفلسطينية وربيبتها الحركة الوطنية اللبنانية مع ابتعاد قسري وطوعي للدول الداعمة للقضيتين اللبنانية والفلسطينية في لبنان كدور تخريبي تحت سقوف من المطالب المحقة .

  طبعت السفير أوراقها وفق رايات جديدة وكانت حركة أمل السقف السياسي الجديد بعد أن كانت الصحيفة محرّضة على حرمان أمل من موقع الدفاع عن حرمان اليساريين والفلسطينيين وباتت أسيرة شكل  مواجهة جديدة أدخلها في عهدة عربية لم تكن تنتسب اليها باعتبار أنها متماهية مع عربية أخرى محمولة على خشبة خلاص قوى ثورية بينها وبين احداث التغيير في العالم العربي قيد أنملة خاصة وأن المدّ القومي عالي الموج وكذلك حال اليسار الفائض النخبة المجنونة بانتصارات متجاوزة لحدود دولة والغير واقف عند مفصل تحرير فلسطين من العدو الاسرائيلي .

  مع بروز حزب الله كقوة معترف بها من قبل سوريا الموجودة في لبنان والداعية الى اعتراف الجميع فيها كحالة استثنائية في المجتمع والدولة نقلت  السفير أوراق اعتمادها الى السيّد الوافد من تجربة مقاومة أبلت العدو وفرضت عليه التعامل معها كنقيض طبيعي وببعدين أمني وسياسي وحصرت الصحيفة دورها خلف شاشة المقاومة الى أن وصلت في النتيجة كيّ تكون ليست وسيطاً وانما آلية انخراط كامل لا في حزب المقاومة فحسب بل في حسابات اقليمية وداخل معابر محاور هددت بنسف المنطقة اذا اضطر الأمر الى ذلك .

  ان في وصول صحيفة السفير الى هذا المستوى النضالي جعلها تتقاعد من مسؤوليتها التاريخية تاركة وراءها تجربة متنوعة لأطر سياسية ثورية تراوحت ما بين ما هو وطني وعربي وبشخصيات متعددة من اليسار الى اليمين لتكشف لنا عن جوهر الاعلام الموجه ولعبة السياسة في المال لتحديد شروط البقاء في عالم محكوم بضوابط صارمة ترفع فيه من تشاء وتُسقط  في حفره من تشاء وفق منطق القوة لا وفق مشروعية المهنة أو القضية ومنا ط الحكمة والرسالة .

  لقد خففت السفير من اثقال ما حملت من وزر التاريخ  و الصراع في لبنان وأراحت نفسها وأراحتنا من صحفيين امتهنوا مهنة العيش وتركوا الحرفة واستبدلوا الحبر بالتبر في ظروف تشتد فيها ضغوط الحياة وتعصف بها أجواء المصالح الشخصية على المصالح الوطنية .

  رحم الله السفير طلال سلمان في اقدامه على خطوة كان من المطلوب القيام بها منذ زمن ....