جرياً على عادة كريهة وغير مسؤولة يتمسك الكثيرون من الباعة المتجولين في اعلام الممانعة بمحور غير موجود في الحسابات السياسية لدى الدول التي يرصفونها فوق بعضها البعض ويطلقون عليها تسميات غريبة عنها وعن واقعها وعن حقيقتها تماماً كما فعلوا من قبل مع المحور الذي ضمّ تُركيا وقطر ولطالما تغنوا به وتحدوا به محاور الشرّ . لينكشف لهم بعد ذلك حماسة غبية في قطع هويات ما يتمنوا لدول لا تقاس حساباتها بحسابات هواة في الاعلام والسياسة .

  لم يجف بعد الحبر المكتوب عن بوتين وروسيا الأوّل كرمز احتشدت فيه ارادات متنافرة من القيصر الروسي الى ستالين الشيوعي الى عبد الناصر الاشتراكي العربي الى أسما أخرى أقلّ قامة من قامات عظماء في تاريخ القتل البشري والثانية كدولة " دولية" ندية للولايات المتحدة ولحلفائها . ومازال بصاق الاعلاميين والسياسيين "يتصّ " يميناً  وشمالاً اختيالاً بالرئيس الروسي الذي يقود محور الخير السوري بمواجهة شياطين الاسلام الظلامي وتحديدهم المفرط لانتصارات أبقت مرتزقي الحرب الكونية في مساحة لا تُذكر من الأراضي السورية بحيث أن الجيش المظفر طهر سوريا بفضل الطائرات الروسية من الارهابين وباتت سيطرة الدولة الأسدية قاب قوسين أو أدنى من عودتها الميمونة الى سيرتها الأولى .

  فجأة يقطع الرئيس الروسي مشهد الحلم عن " المتمحورين " وعن الحالمين بنصر الهي من صنع الكافر الروسي بموقف أخطر بكثير من موقف التدخل نفسه بالحرب السورية ليعيد بذلك ترتيب أوراق المنطقة وفق روزنامة مصالح منسجمة مع الرغبة الأمريكية وليدفع بالتسوية السورية الى جولة جديدة من حرب أشرس دون أن يكون للروس خزيّ الحضور فيها لأنها تُهدّم مصالحهم ولا تبني لهم مصالح في منطقة محكومة بتوازنات اقليمية لا يمكن تجاوزها للدخول اليها عنوة وعن طريق آلة الموت والتدمير .

  وحده الايراني يتحمل عبء المواجهة في سوريا في مرحلة تشهد احتشاد عربي – اسلامي لا مثيل له على الاطلاق في تاريخ صراعات المنطقة وتقدّم ملحوظ فيها لسياسات السعودية ولدورها الدفاعي والهجومي باسم تحالف أعاد اليمن الى مرحلة استرجاعه لحضن الأمن العربي وهو متحمس للعب دور مماثل في سورية لولا المحاذير الأمريكية المانعة من احراز نصر عسكري لأي الأفرقاء المتقاتلين لما لذلك من آثار سلبية على عودة الدولة قياساً على ما يجري في ليبيا من حروب مدمرة لامكانية قيام دولة .

  اذاً بقي الايرانيون وحدهم في محور لا مكان فيه لأحد غيرهم باعتبارهم القوّة الفعلية وأصحاب المشروع فلا تركيا ولا قطر قديماً ولا روسيا ولا العراق الداخل في كوما الحروب المذهبية ولا لبنان المنقسم الى مزق هويات ولا ما تبقى من نظام في سوريا كانوا بمثابة المحور الذي تغنى به روّاة الاحلام الرومانسية . وبقيّ معهم مؤمنون بوجود ايران كقوّة اقليمية تتمتع بنسبة عالية من التحكم بسياسات المنطقة .

  من هنا يبدو أن ايران أمام مجال سوري طويل يستنزف المزيد من قدراتها لربح نفوذ مؤقت لأن التسوية السورية الجدية لن تؤتي بنظام شبيه بنظام الأسد .