ترتفع بين الفينة والأخرى على الساحة اللبنانية حرارة النقاشات والجدل حول طبيعة العلاقة التي تجمع بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة وبين حزب الله من جهة أخرى، بالخصوص عند الإستحقاقات المفصلية التي يكون للحزب دور غير مفهوم أو يحيط به شيء من الغموض، ومن أجل فهمه أو تحليله يذهب كثيرون إلى رميه صوب المصالح الإيرانية وإعتباره يصبّ في مجرى تلك المصالح.

 تماماً كما يجري هذه الأيام بموضوع تعطيل حزب الله لإنتخاب رئيس الجمهورية، بعد أن كشف الغطاء عن وجه المعطل الحقيقي وصار من بديهيات القول أنّ من يتحمل مسؤولية عدم انتخاب رئيس للجمهورية هو فريق 8 آذار الذي يرأسه هذا الحزب.  

وبين إصرار قيادة الحزب والتأكيد شبه اليومي على تبرئة إيران من أيّ تدخل بالشؤون اللبنانية، ومحاولات  الأمين العام السيد حسن نصرالله في أكثر من إطلالة له وحديثه عن المفاضلة بين علاقة حزبه بإيران التي تخرج بحسب توصيفه عن سياق الآمر والمأمور، وعلاقة "الطرف الاخر" بالدولة الداعمة له والتي يصفها غالباً بعلاقة السيد والعبد والمقصود طبعاً هنا هو تيار المستقبل والمملكة السعودية.  

هذا مع تأكيد المسؤولين الايرانيين الرسميين أيضاً على عدم تدخلهم بالشؤون اللبنانية الداخلية، وبأنّ الموضوعات اللبنانية هي حصراً بأيدي اللبنانيين كما أكدّ بالأمس الرئيس الإيراني  حسن روحاني للرئيس الفرنسي وصرح بذلك وزير الخارجية جواد ظريف، وكما اعلن السفير الايراني في لبنان محمد فتح علي في مقابلة له مع احدى الصحف اللبنانية  وكمحاولة لححلة  هذا اللغز ومعرفة الخيط الابيض من الخيط الاسود لا بد اولا ان نسلط الضوء للتذكير ان حزب الله هو حزب عقائدي مبني على فكرة مركزية وحيدة هي فكرة ولاية الفقيه، واعتبار ان السيد علي الخامنئي هو القائد والمرشد والمرجع والولي الشرعي المسدد، وهذا يعني وجود علاقة عضوية بين الحزب وبين إيران، فلا يجوز الحديث آنئذ عن فريقين أو عن طرفين بل هما طرف واحد ومكوّن واحد وجسد واحد.  

صحيح ما يقوله سماحة السيد عن عدم تلقي الحزب للأوامر من الدولة الإيرانية، وصحيح أيضاً بأنّ إيران لا تتدخل بالشأن اللبناني، ولكن ليس كما يحاول أن يوهمنا الحزب بأنّه يمتلك هامشاً من الإستقلالية والتباين الذي يمكن أن يتواجد بين المصالح اللبنانية والمصالح الإيرانية.  

وإنّما حقيقة الموضوع بأنّ حزب الله بقيادة السيد حسن هو يؤمن ويعتقد ويجزم ويتيقن مستقلاً بأنّ السعي والاجتهاد في تحقيق المصالح الإيرانية (دولة الامام المهدي) إنّما هو واجب شرعي في عنقه يعمل له ولأجله بدون أي حاجة للرجوع إلى القيادة الإيرانية فلا حاجة للأوامر ولا ضرورة حتى للطلب.

 بالخصوص بعد أن وصل الحزب بنظر المرشد إلى مرحلة من النضوج الفكري والتراكم التجربي جعل ثقة الولي الفقيه به بحيث يتركه مطمئناً كامل الاطمئنان بأنّ تقديم مصالح إيران واعتبارها فوق كل اعتبار هي مسلّمة من مسلّمات تفكير الحزب وسلوكه اليومي الممسوك عقائدياً.

فحزب الله مثلاً لا يحتاج إلى توجيه إيراني والقول له أنّ انتخاب رئيس للجمهورية يستتبعه عودة للرئيس سعد الحريري كرئيس حكومة لبنان، في ظلّ تأزم العلاقات الإيرانية السعودية هو موضوع غير مستحب، وغير مرغوب فيه إيرانياً، لأنّ الحزب بإمكانه "مستقلاً" أن يشخص هذه المصلحة منفرداً بدون الحاجة لأيّ تدخل ولا حتى لأيّ إشارة  ختاماً وبناءً على ما تقدم يصبح السؤال عن طبيعة العلاقة بين إيران وحزب الله هو سؤال أشبه ما يكون بالسؤال عن العلاقة بين الملوحة والملح، ممّا يعني أنّه سؤال غير موضوعي وأنّ سائله غير مدرك لحقيقة جوهر حزب الله وتركيبته إذ ليس بين إيران وحزب الله... علاقة .