لو أننا صدقنا أو نصدق كل ما يُحكى في وسائل إعلام الممانعة عن أخبار " تقدم " الجيش العربي السوري وحلفائه، والمناطق " الإستراتيجية " التي يفتحها يومياً، وحسبنا بعد ذلك تلك المساحات والمسافات التي قطعها لظننا أنّ طلائع هذا الجيش المقدام إنّما يُقاتل الآن داخل شوارع نيودلهي في الهند شرقاً، وبأقل تقدير قد لأصبح على مشارف مدينة ليون الفرنسية ويتهيأ للدخول إلى العاصمة باريس غرباً.

أمّا وبالعودة إلى الواقع وما يجري على ساحة الميدان فإننا نكشف سريعاً أنّ معظم ما يقدم لنا من انتصارات إلهية وغير إلهية، لم تغير من خريطة الأحداث على الساحة السورية قيد أنملة، هذا إن لم نقل أنّ تأزم الأمور وازدياد تعقيداتها هو المسار التصاعدي للخط البياني للحرب السورية مع كل انجاز مدّعى،  ما يعني المزيد من الدمار والضحايا والدماء ليس إلا.

 وبالعودة إلى آخر هذه "الإنتصارات" تطل علينا مرة أخرى الحكايات التي تروى هذه الأيام عن مجريات الأحداث في الشمال السوري، ولعلّ أبرز ما في هذا المجال هو الفتح المبين والإنجاز العظيم الذي تحقق في قريتي نبل والزهراء وما ترافق معه من قصص هوليودية عن إنقاذ أهلها "الشيعة" من حالة الحصار والجوع المزعوم، وأسمح لنفسي ان اقول "مزعوم" ليس فقط بسبب تكذيب الصور المباشرة التي نقلتها الوسائل الإعلامية أعلاه لإستقبال أهالي المدينتين للمقاتلين الفاتحين وما ظهر على وجوه هؤلاء من تمام الصحة والنعمة ( على عكس ما سرب من صور مضايا والزبداني وغيرها )  وما يعزز من حقيقة أنّ "الحصار" ليس هو إلاّ حصاراً مزعوماً، فلا يكلف أي متابع إلا إلقاء نظرة سريعة على جغرافيا المنطقة ليدرك سريعاً بأنّ القريتين مفتوحتين بشكل كبير على مناطق واسعة تخضع مباشرة لنفوذ الأكراد المتحالفين مع نظام الأسد، ومن خلال هذه المناطق كان يصل كل ما يحتاج له أبناء وأهالي نبل والزهراء بكل سهولة.

 طبعاً هذا لا يعني الإدعاء بأنّ قوات نظام الأسد ومعها مقاتلو حزب الله لم يستطيعوا أن يخترقوا مناطق المسلحين وفتح طريق "غير آمن" نحو القريتين المذكورتين من ناحية الغرب، هذا الخرق الذي تحقق بفضل غارات كثيفة جداً وغير مسبوق للطيران الروسي.  وإن كان لا بدّ من التذكير إنّ هذا الإنتصار الموهوم والتضخيم الإعلامي له، إنّما جاء بالتزامن مع انعقاد اجتماعات جنيف والمفاوضات بين النظام والمعارضة ممّا يعني بالضرورة أنّ هذه الإنتصارات الإعلامية إنّما الهدف منها هو استعمالها كورقة تفاوضية كان من المفروض أن تسيّل على الطاولة هناك.

 أما وقد توقفت تلك المفاوضات بسحر ساحر، فإنّ الامور سوف تتجه إلى أحد المسارين في ظلّ عدم مقدرة استمرار الغارات الروسية على وتيرتها الأخيرة حتماً، فإمّا أن يضطر حزب الله إلى تعزيز وجوده في تلك المناطق من أجل حماية تلك الانجازات ممّا يعني المزيد من الغرق في الدم السوري والمزيد من الضحايا التي سوف يتكلفها وحيداً ، لأنّ جيش الأسد يتبع كما هو معروف استراتيجية الإنسحابات من المناطق التي لا يصنفها بأنّها يمكن أن تخدم إطالة عمر النظام.  وأما أن يعمد الحزب في مرحلة لاحقة إلى ترحيل أهالي نبل والزهراء إلى خارج المنطقة، ممّا يساهم في تعميق الفرز الطائفي وبما يخدم مشروع التقسيم المتهمة به إيران أصلاً وما يُحكى عن سوريا المفيدة (العلوية).

 وعلى كلا التقديرين فإنّ أهالي نبل والزهراء سيكتشفون قريباً بأنّ هذا الإنتصار الإعلامي وغير الضروري والذي أخرجهم من إطار الهدنة التي ساهمت ( الهدنة ) في حفظ وجودهم واستمرارهم في أرضهم، وحينئذ سوق يندمون حين لا ينفع الندم.