أن يبتسم سماحة السيد أو يضحك في إطلالاته التلفزيونية، فهذا لا يعكس بالضرورة الحالة الحقيقية التي تنتابه، فقد أتقن الرجل وتمرّس في فنّ لغة الجسد، وصار محترف في هذا الجانب تماماً كإحترافه بالبلاغة والنحو وغيرها من ضروريات الخطابة التي يتربع على عرشها بين السياسيين اللبنانيين بدون أيّ منازع. 

  كما وأنّ إعلان " الانتصار " على أنواعه لا يعدو أكثر من عادة اعتاد اللبنانيون سماعها من سماحته حتى ولو لن يكون لهذه الإنتصارات أيّ أثر حقيقي بالخارج، إن لم نقل أنّ اللبنانيين بشكلٍ عام وجمهور الحزب بشكل خاص لا يزال منذ سنوات طويلة يدفع أثمان غالية جداً قبيل وبعد إعلان الانتصارات، ولم يقبض أيّ أرباح مقابل التضحيات الجسام التي يقدمها بالأخص على مستوى الإنماء الداخلي وبناء المجتمع. 

  حاول جاهداً سماحة السيد بالأمس الإبتعاد عن مشهدية معراب، وما لها وما تشكل من تحول سياسي كبير إن على مستوى الملف الرئاسي أو حتى بما يمكن أن تحمل من ملامح تطبع المشهد اللبناني بشكل عام، وكل ما قاله عن هذا الحدث الكبير بعد أن صوره وكأنّه مجرد مصالحة بين شخصين كانا على خلاف، محاولاً جعل الصورة تبدو كأنّها مصالحة بين جيران في بناية أو على أكثر تقدير مصالحة بين كبيرا عائلتين وعلى هذا فقد رحب بهذه المصالحة العائلية. 

  إنّ هذه المقاربة ومحاولة تبسيط الحدث وتجويفه من أبعاده السياسية يكشف بالحقيقة حجم الآثار السلبية التي خلفتها على الساحة اللبنانية، وأربكت " مع خطين تحت أربكت " معظم الأطراف وفي مقدمتهم حزب الله، فليس صحيحاً أنّ تأجيل جلسة كتلة الوفاء للمقاومة للمرة الأولى في تاريخها على أثر خطوة معراب ليس مؤشراً قويا عن هذا الإرباك. 

    إنّ موقف السيد نصرالله بالأمس والذي ليس فيه أيّ جديد بالمعنى السياسي هو بالظبط ما راهن عليه الدكتور سمير جعجع، حتى كأنّه كان يتوقعه كما جاء تماماً، وهذا ما حاول أن يمهّد له في إطلالته مع الزميل وليد عبود ليؤسس عليها في مرحلة ما بعد وضوح الرؤية، ليس عند قيادات التيار الوطني الحر فقط بل مع قواعده ايضاً. 

  لقد عرف سمير جعجع أنّه لم يعطِ الجنرال ميشال عون مفاتيح قصر بعبدا، ليس لأنّه لا يريد بل لأنّه لا يملكها وحده، ويعرف سيد معراب أنّ موضوع الرئاسة لا يمكن البتّ به بدون السلة المتكاملة التي قد تكون هي (السلة) تمثل العقدة الحقيقية، ممّا يعني أنّ المرحلة الراهنة هي مرحلة الشغل على تسجيل النقاط وتشليح الخصوم أوراق يمتلكونها من خلال ألاعيب إعلامية وسياسية. 

  وإنّ أهمّ ورقة يستر بها حزب الله عورات مشروعه السياسي هي ورقة الغطاء المسيحي الذي يؤمّنها له جمهور التيار الوطني الحر، وإنّ العمل على نزع هذه الورقة ستجعل الحزب مكشوفاً أمام الرأي العام اللبناني، وهذا تماماً ما صبا إليه سمير جعجع حين تجرّأ على تبني ميشال عون كمرشح للرئاسة، وهذا ما حاول بالأمس سماحة السيد أن يفشله لما له من عظيم الأثر.

  إذ كيف يمكن فهم أن يترك السيد الحديث عن خطر داعش المستجد على بعد أمتار من جرود عرسال، وأن لا يلتفت إلى تهديدات الوزير الإسرائلي أول من أمس، ولا إلى الإجراءات الأميركية بحق رجال أعمال لبنانيين ولا إلى تفجير مسجد شيعي في الأحساء، أن يترك كل هذا ويتوجه بكلامه إلى جمهور التيار الوطني الحر لو أنّه غيرَ مدرك إلى خطورة الأمر؟ 

  لقد نجح رهان سمير جعجع، وسجلّ أكثر من هدف في مرمى حزب الله، وأخذ من السيد موقف سمعه العونيون عبارة عن شكّ لا يمكن صرفه في بنك الرئاسة، فكيف سيستغله الحكيم في إنقاذ الموقع الماروني، ومن ورائه إنقاذ كل المؤسسات في البلد، نحن بالإنتظار.