لم يشأ أمير قطر الشيخ تميم في زيارته لموسكو، ان يضع إصبعه في عين فلاديمير بوتين، وان يدخل معه في كباش سياسي حول الملف السوري تحديداً. صحيح ان الزيارة المهمة جاءت عشية التحضير المحموم لمفاوضات " جنيف - ٣" بحثاً عن حل لهذه الأزمة المتمادية، وصحيح ان موقفي البلدين يتعارضان في شكل واضح حيال مصير بشار الأسد، وما اذا كان عليه ان يرحل مع الحل وفي سياق عملية انتقال سياسي، لم تتوقف الدوحة يوماً عن المطالبة بها كمدخل ضروري وحيد للتسوية وإنهاء الأزمة.

ولكن صحيح أيضاً ان أمير قطر تعمّد ببراعة استعمال المنطق الروسي الذي طالما سمعناه في ما يتصل بمصير الأسد، لتأكيد وجهة نظر الدوحة الثابتة حيال ضرورة رحيل الأسد في النهاية، وعلى هذا تحديداً كرر تميم المطالبة بإيجاد حل سريع لمعاناة الشعب السوري من طريق تسوية سياسية تلبي مطالب هذا الشعب، وليس هناك من ينكر حتى داخل الكرملين ان ما يريده الشعب السوري فعلاً هو رحيل الأسد.
لم يكن خافياً على الشيخ تميم ان ما نشرته صحيفة "الفايننشال تايمس" يوم وصوله الى موسكو كان صحيحاً تماماً، لجهة الكشف ان بوتين أرسل رئيس جهاز استخباراته السابق ايغور سيرغون في نهاية الشهر الماضي الى دمشق، حيث أبلغ الأسد انه بات عليه ان يستعد للرحيل، ولا يخفى ان نفي بوتين ومن بعده سيرغي لافروف هذه الرواية، إنما يأتي لمنع انهيار مفاوضات جنيف عشية بدئها، إذ لماذا يذهب الأسد ليفاوض اذا كان عليه ان يبدأ بحزم حقائبه؟!
كل ما قيل في سياق التصريحات والتحليلات عن ان الدوحة تخلت عن المطالبة برحيل الأسد في سياق عملية انتقال سياسي حقيقي، هو من صنع المخيلات والغرضيات، ففي نهاية شهر كانون الأول من العام الماضي لم يتردد وزير خارجية قطر الشيخ خالد العطية في ان يعلن من الكرملين "ان الأسد فاقد الشرعية وأنه ونظامه هما الراعيان الرئيسيان للإرهاب".
ومن الواضح والمؤكّد ان الموقف القطري من هذا الموضوع لم يتغيّر كما يحاول البعض ان يوحي، في ما يبدو محاولات للتشويش على الزيارة المهمة على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي، وخصوصاً في ما يتّصل بموضوع الغاز والنفط في هذه المرحلة الدقيقة!
عشية الزيارة تحدثت الأنباء عن استعدادات سعودية تركية قطرية، لشن هجوم بري على "داعش" وخصوصاً في منطقة الرقة السورية، هذا الاستعداد للهجوم واستهداف الإرهابيين ليس ولم يكن ولن يكون في مصلحة الأسد، الذي طالما طرح نفسه كأنه يقاتلهم وهو الذي استولدهم منذ البداية، والذي يبقى رحيله المدخل لحل حقيقي ينهي المأساة السورية.