لأول مرة ألتقيها في الباص ..وبسبب عدم توفر المقاعد جلست قرب امرأة معها طفل يبلغ من العمر حوالي الستة أعوام. وكأي أحد غريب يجلس قربي في باص عمومي عاملتها لكن بعد مرور حوالي الخمس دقائق سمعت إمرأة توجه سؤالها لي: هل أنا بدينة؟

فنظرت إلى عينيها وإذ بتلك النظرة الحزينة ترتسم في عينيها، هي جميلة ويبدو من أسلوبها في الكلام أنها رقيقة جدًا وخوفًا على مشاعرها لم أجب بما تريده إنما كان ردي قناعة مني بأن "إن كنتي بدينة أو نحيفة لا يهم، فلكل منا جمال ميزه الله به عن غيره"

فابتسمت وكأنها ارتاحت لي وبدأت بمحادثتي كأنها لم تلتق بي الآن لأول مرة إنما تعرفني منذ زمن، تفاجأت قليلا منها خاصة أنني لا أعلم من هي ولماذا حدثتني فجأة وبسبب الخوف الذي يسيطر على حياتنا اليومية إرتعبتً في الوهلة الأولى من هذه المرأة التي يبدو لمحدثها انها تملك في قلبها طيبة غريبة.

ولوحدها بدأت تسرد لي: أحاول أن أنحّف نفسي لكن لا يمكنني ذلك فكلما أتبع حمية أقع على الأرض في المنزل، آكل بشراهة رغم أني أكره نفسي هكذا" وكأي ردة فعل طبيعية نصحتها بالذهاب إلى أخصائية تغذية لتتابع حالتها فانتقلت هنا إلى حديث آخر وقالت لي :"أتعلمين زوجي كان يملك سيارة "كشف" كان يقود بسرعة وكنت أخاف كثيرا" ثم تابعت "مرة فقدت أعصابي وقدت بسرعة جنونية ما جعل رأسي ينشق نصفين وببركة الله استطعت أن أبقى على قيد الحياة".

هنا بدا لي أن هذه الفتاة المجهولة الهوية والإسم حتى الآن لا تريد سوى شيئا واحدا فقط أن تتحدث لترتاح،لتعبر عما بداخلها لشخص ربما تراه مرة واحدة فقط.

ولأقنعها بأني مستمعة إليها سألتها:"ماذا يعمل زوجك"..لم تجبني بالحقيقة لكنها أقرّت "زوجي أكبر مني في العمر فهو يبلغ 55 من العمر وأنا 31 سنة ينظر إلى النساءويغازلهن حتى لو كنت معه أنا لا أريد شيئا سوى أن يحترمني، حتى صديقتي تغازله أمامي، أحيانا أتشاجر معه لأنه من حقي أن يحترمني، وأنا لا أريد منه أي شيء، فهو يغار علي كثيرا ويمنعني من أن ألتقي أحدا".

هذا التناقض في الكلام إذ أنه تارة يغار عليها كثيرا وطورا يغازل أخرى أمامها دفع بالشك فيما يتعلق بحياة هذه المرأة الغامضة إلى السير في تفكيري وعقلي عما يحصل معها.

ولأني لم أجد الكلام المناسب لها، إلتزمت السكوت فالزحمة خانقة ومن المريجة إلى السفارة الكويتية الطريق طويل جدا فسكتت هي الأخيرة قليلا لتتنهّد وكأن هما ما رحل عنها فقالت لي حرفيًّا: أنا بشتغل بالبيوت بنضّف باخد عالساعة 7000 وباخد ابني معي كرمال الأمان".

هذا الكلام الذي قالته بفخر لتضيف عليه "مش أحسن ما مد إيديي للعالم بشتغل بكرامتي وبعيّش ولادي، الشغل مش عيب".

هذه التبريرات التي قالتها لتحاول أن تقنعني بصحة ما تقوم به كأنها ظنت أن نظرتي إليها ستتغير بمجرد أن أعلم طبيعة عملها غيّرتها إلى لهجة "تشرفت بمعرفتك وشكرا إلك" عندما كانت ردة فعلي "أكيد مش عيب الشغل لو شو ما كان".

ولم أكتب قصة زينب (الإسم غير حقيقي) لمجرد الكتابة إنما لأنني رأيت في عينيها ذلك الإنسان الذي يخاف ظلم أخيه الإنسان نتيجة للقناع الذي بات يرتديه غالبية البشر فيحاول إخفاء حقيقته عن الآخر ليبقى الإحترام سيد الموقف وكأن بالعمل هو من يحدد مستوى الإنسان.

هذا الجهل الذي يسيطر على عقول بعض البشر يجب أن يتم الخجل منه عندما نرى أحدا كزينب تفتخر بعملها وإذ أن عاصفة العاملات الأجنبيات إجتاحت لبنان بكثرة إلا أنه بين أزقة هذا البلد لا زال هناك لبنانيات يعملن بهذه الوظيفة.

فلماذا لا نشجعهن على الخروج للعلن بدل الجلوس بقوقعة الخجل؟ ولماذا نقدّم للأجنبيات ما تحتاجه اللبنانيات مع التشديد اننا لسنا عنصريين.