هل لا يزال "الإخوان المسلمون" العرب ولاسيما المصريين منهم قادرين على تغيير وضعيّتهم "الانتحارية" الحالية أم أصبحوا أسرى نهائيين للسياسات والخيارات التي أوصَلَتْهم في مصر وكل المنطقة، إلى هذا الوضع؟

الذي يدفعني إلى تجديد هذا السؤال صدور التقرير البريطاني عن التحقيق حول نشاط هذه الجماعة الذي يعتبر حسب ما عبّر عنه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أن مجرّد انتماء شخص إلى " الإخوان المسلمين" هو "مؤشِّر تَطَرُّف محتمل".
راهن "الإخوان المسلمون" في "محنتهم" المصرية كما يحبون أن يَصِفوها، متناسين أو متجاهلين أن محنة مصر الإرهابية هي المأساة الحقيقية لأنها تهدِّد كل المجتمع والدولة وليس فريقاً واحدا غارقا في سياسة انتقام حرب أهلوية بعد سقوطه المدوّي من السلطة عام 2013... راهنوا على مواقف أميركية وغربية ذات حساسيّة ديموقراطية يستفيدون منها. وقد حصل هذا جزئيّاً في البداية قبل أن تعود الأوراق لا للاختلاط فقط في المنطقة بل قبل أن تعود أولوية إنقاذ مجتمعات ودول المنطقة إلى الواجهة، على الأقل في الخطاب الغربي (والروسي طبعاً).
لا تغيب عن التقرير البريطاني هذه الأبعاد. وقد كان ذا دلالة أن يصدر أول رد على الموقف البريطاني "الجديد"، وبريطانيا تقليديا بلدُ استضافة للتيارات السلفية والإخوانية، من متحدّث مصري من "الإخوان المسلمين".
"الفتوى" البريطانية وعلى مستوى رئيس الوزراء، تفتح مدى جديداً للتعامل مع "الإخوان".
فهذه "الفتوى" (كون الشخص "إخوانيّاً" مؤشِّر على تطرّف محتمل) لا تحسم فقط توجها غربيا مستريبا من حركة الإخوان المسلمين بل تلغي تصنيفا تقليديا للباحثين السياسيين الغربيين (والعرب) طالما انعكس في، أو عَكَسَ، سياساتٍ تَفْصُل بين الأصولية الإخوانية والأصولية السلفية ولاسيما الجهادية منها. حسب هذا المؤشِّر البريطاني الجديد لم يعد هناك فارق بين التيارين الإخواني والسلفي أو على الأقل لم تعد المسافة محسومة بل هي "غامضة" حسب تعبير التقرير التحقيق. وراجحُ الظنِّ أن هذا التطور يأتي نتيجة ظهور قوى كـ"داعش" وتورّط "الإخوان" غير المباشر أو حتى المباشر في تحالفات "انتقاميّة" ضمنية في سوريا والعراق وليبيا... وإلا ما معنى هذا التحوّل البريطاني أو "الرسالة" البريطانية التي تكشف تبلورَ نظرةٍ سياسية أمنية جديدة لخارطة الإسلام السياسي بعد خمس سنوات على اندلاع ثورات "الربيع العربي" والفشل الذريع للإخوان المسلمين المصريين في استيلاد تيار إسلامي ديموقراطي بقيادتهم.
إذا كان "إخوان" سوريا محكومين بسياق عنفي في الوضع السوري ليسوا مسؤولين وحدهم عنه، فإن مسؤولية "الإخوان المصريين" فادحة في الإدارة السياسية لعهدهم وأفدح في تورّطهم العنفي بعد سقوطهم من السلطة.
يحتاج الإخوان المسلمون وقيادة تنظيمهم الدولي إلى مراجعة نقدية شجاعة وليس المزيد من الانخراط في سياسات إقليمية أصبحوا ثانويين جدا فيها وفي نتائجها.