العمليات الإرهابية التي ضربت باريس عشية الجمعة الماضية ، سببت في إلغاء الرئيس الإيراني حسن روحاني زيارته لفرنسا وتأجيلها إلى موعد آخر .

وبالرغم من أنّ زيارة الرئيس الإيراني لفرنسا التي كانت مهمة في أبعادها الاقتصادية والسياسية، ألغيت ولكن تلك العمليات الإرهابية سببت في نفس الوقت تقارباً إيرانياً فرنسياً فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب التكفيري الذي لا حدود له والمتمثل في داعش .

إنّ تنظيم الدولة الإسلامية الذي لم يتمكن من ضرب إيران وروسيا في عمق أراضيهما وضربهما في مصر وبيروت عبر إسقاط الطائرة الروسية في سيناء والتفجيرات الإنتحارية في برج البراجنة، تمكن من ضرب فرنسا في عاصمتها، مما يُظهر بأنّ خطر الإرهاب يهدد الغرب أكثر مما يهدد إيران وروسيا .

 

عبّر الرئيس روحاني خلال مكالمته الهاتفيه مع الرئيس الفرنسي هولاند، بعد تقديم العزاء ، عن استعداد بلاده للتعاون في مكافحة الإرهاب التكفيري في أية نقطة من العالمر، مما تلقاه هولاند بالإيجاب، مطالباً بتوحيد الصفوف من أجل مكافحة داعش في سوريا والعراقر.

 

وخلال كلمته أمام النواب، أعلن الرئيس هولاند عن استعداد بلاده للتعاون مع جميع المشاركين في مكافحة الإرهاب ، دون استثناء أحد، كما عبر عن نية بلاده لتوسيع دائرة التحالف ضد الإرهاب، مما يقوي احتمال انضمام إيران بالتحالف الدولي ضد داعش .

 

إنّ إيران بغض النظر عن تعاونها مع النظام السوري في مواجهة الجماعات المسلحة في الأراضي السورية ، تتعاون مع روسيا فيما يتعلق بسوريا والعراق، ويجري تنسيق تام بينهما معلوماتياً وعسكرياً ، حيث صواريخ الروسية تعبر الأجواء الإيرانية للوصول إلى أهدافها في سوريا .

 

ومن جهة أخرى هناك تنسيق معلوماتي بين أميركا والعراق وليس خافياً على الأميركيين بأنّ المعلومات التي تتلقاها العراق من أميركا يتم نقلها إلى الإيرانيين ، وعليه يمكن القول بأنّ إيران تشكل الآن جزء من التحالف أو التعاون الدولي في مكافحة داعش بشكل غير مباشر، كما إنّها منشغلة بمكافحتها في العراق وسوريا أكثر من أي دولة أجنبية أخرى .

 

قال رئيس وزراء الفرنسي السابق فرانسوا فيون المنتمي إلى اليمين المعتدل بعد مجزرة مساء الجمعة " حان الوقت لأن تُدرك فرنسا بأنّها تحتاج للتعاون مع إيران وحتى إنها مضطرة للعمل مع النظام السوري لفترة محددة".

وفي الوقت نفسه هناك منتقدين لسياسة هولاند الخارجية يتهموه بالتناقض عندما أقرّ التدخل العسكري في سوريا والعراق ومالي وأفريقيا ، بينما لديه علاقات وثيقة مع دول عربية متهمة بتدعيم الجماعات الإرهابية.

 

إنّ التعاون التجاري بين إيران وأوربا الذي بدأ بعد حصول التوافق النووي ، وسيشتد وتيرته بعقد المئات من العقود الإقتصادية والتجارية المخطط لها منذ شهور، سيسهّل انضمام إيران بالمجتمع الدولي وتعاونها مع الغرب في ضرب داعش، إلا أنّ المملكة السعودية ترفض أن تكون إيران جزء من الحل وتعطي الأولوية لضرب الحوثيين .

 

ويبدو أن الغرب وخاصة الولايات المتحدة ستمارس ضغوطاً على السعودية للقبول بمشاركة إيران في التحالف الدولي لمكافحة داعش ، كما مارست تلك الضغوط عليها للقبول بمشاركة إيران في مفاوضات فيينا السورية .

 

إنّ الغرب لا حيلة له إلا التعاون مع روسيا وإيران وربما مع النظام السوري، فهذا أوبر وردين وزير خارجية فرنسا الأسبق، يشجع الرئيس هولاند باتخاذ أسلوب أكثر واقعية في السياسة الخارجية ، قائلاً: اسمحوا بأن لا ننسى بأننا عندما كنا نقاتل هتلر، اضطررنا للتحالف مع ستالين الذي كان سفاحاً أكثر من هتلر .

 

وهنا يكمن الخلاف بين إيران وفرنسا، حيث إن إيران لا تعتبر بشار الأسد مجرماً سفاحاً يشبه ستالين، بل تعتبر إنه تعرض لمؤامرة دولية وعربية تهدف إلى ضرب العمق الاستراتيجي للمقاومة وإنه يدفع ثمن دعمه للمقاومة.

ولكن الغرب لديه وجهة نظر مغايرة حيث يعتبر إن النظام المستبد البعثي هو المسؤول عما آلت إليه الأمور في سوريا وهو الذي سبّب في تكوين داعش بأسلوبه القمعي الذي استخدمه تجاه المعارضة السلمية.

وأياً تكن الحال لا خيار لدى الغرب إلا إعطاء الأولوية للقضاء على داعش في معارك الحرب قبل القضاء على النظام الذي لن يتم القضاء عليه إلا عبر صناديق الاقتراع.