بعد خطاب التخلي عن الشراكة السياسية مع قوى 14 آذار بقيادة تيّار المستقبل ونفيه لهم اذا ما قرروا عدم التفاهم لصالح البلد بمسودة عمل تابعة لفريق 8 آذار ومن أولى أولوياتها القبول القسري أو الطوعي برئاسة وحيد عصره الجنرال ميشال عون لتفادي ما لا يُحسن عقباه . جاء خطابان لأمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله  واحد قبل تفجير برج البراجنة وآخر بعده مختلفان تماماً مع جذر الخطاب الذي سبقهما اذا أنهما يتضمنان البحث عن حلول آمنة للبنان والدعوة الى شراكة حوارية كاملة مع فريق متهم في تعزيز الفرقة بين اللبنانيين بابتعاده كلياً عن فكرة مجيء صاحب التيّار الوطني رئيساً لنصف كرسي رئاسي باعتبار ان النصف آخر هو من حق شبه رئيس لفريق 8 آذار.

اذا سطّحنا الخطاب اللبناني يبدو أن هناك تأثيرات فعلية للمنطق الفينيقي على العقل السياسي الذي يستسيغ فتح "بازرات " في الأزمات لذا تتعالى نبرة التلاقي وضرورة الحوار عندما يشعر القادة اللبنانيون بهول الأمور وخاصة في ارتفاع منسوب الأمن وانعكاس ذلك على المشهد السياسي الذي يتقدّم لصالح العودة لطاولة الحوار الذي صنعها النجّار الماهر الرئيس بري لتنفيس الأجواء المتشنجة بين حزب الله والمستقبل.

واذا تعاطينا بعمق مع الخطاب اللبناني بكافة لهجاته الحزبية يبدو أن هناك تماهي مع المرحلة التي تفرض لهجة معينة وموقفاً قد يبدو غريباً كونه يتناقض مع مواقف سابقة ويلغي من حدتها لصالح مرونة هائلة وسريعة بحيث يصبح العدو اللدود صديقاً وفياً ويجب التعاطي معه بكل ايجابية للخروج من أزمة قاتلة هو في الأصل متهم في استحضارها والعمل على تضخيمها وتكبير كرتها في ملعب الخلاف بين اللبنانيين.

هكذا ينظر حزب الله لتيّار المستقبل تماماً كما ينظر الأخير للأول وهذا هو حال فريقي 8 و14 آذار اذ كل فريق يتهم الآخر ببيع البلد وافلاسه واحراقه و باسقاط سقف الدولة لصالح الدويلة وبادخال لبنان في آتون المحارق الاقليمية بالمشاركة والاصطفاف داخل مشروعات مصالح بعيدة عن مصلحة لبنان.

ان حساسيّة المرحلة تُنسي مراحل التوتر وتستدعي منطق التلاقي والتعاطي الايجابي لتقطيع حسابات هذه المرحلة السلبية كي تنضج ظروفاً أفضل من الظروف السائدة خاصة وأن جميع اللبنانيين يدركون أن الحسابات السياسية اللبنانية بيد الحسابات السورية مما يعني أن الانتظار على حافة الحرب السورية أو في داخلها لمعرفة نتائجها هو سيّد المواقف وما عدا ذلك مجرد نكات سياسية ترعى مصالح الأمن في لبنان لمحاصرة استباحته من قبل المستفيدين من مزق الانقسام السياسي بين تيّاري 8 و14 آذار طالما أن ارادة التفجير غير مطلوبة من قبل الدول النافذة في لبنان.

ثمّة دعوات لوضع الهواجس على طاولة الرئيس بري عوضاً عن الذهاب باتجاه المؤسسات المعنية بادارة الخلافات المشروعة والوصول الى نتائج طبيعية وفق آليات العمل الديمقراطي داخل الشبكات الدستورية والقانونية وبالتالي فان طريق الاستحقاقات الدستورية يمرّ بالقنوات المختصة فاذا ما نزل الجميع الى المجلس النيابي وتمّ انتخاب رئيساً من المرشحين نكون خدمنا مصالحنا الوطنية وعملنا وفق منطق القانون لا وفق المحاصصة السياسية التي ألغت الدولة وعطلت من أدوار مؤسساتها