مع هدير محركات السوخوي ، وعظيم انفجارات قنابلها وما صاحبها من حملة إعلامية ضخمة ساهم بها الصديق والخصم اختفت نهائياً أصوات عنتريات " رجال الله "، وغابت صور مقاتلي الحزب عن التلال الإستراتيجية وبين أزقة المدن السورية "المحررة" ،  فلم نعد نسمع عن أخبار تقدم مقاتلي الحزب إلاّ ما نذر ، ولولا تشييع شهدائه العائدين من ميادين " الواجب الجهادي " فإنّنا نكاد ننسى مشاركاته هناك في الحرب الدائرة على الأراضي السورية .

فمع الدخول الروسي بطائراته وثقله الجوي إلى ساحة المعركة، تحوّلت اللعبة سريعاً إلى لعبة للكبار فقط ، حتى أنّ بشار الأسد نفسه نسي كل ما قدّمه له ومن أجله حزب الله ولم يأتِ على ذكره البتة في الإجتماع الشهير الذي جمعه مع بوتين في الكرملين  فاختصر بكلامه على ذكر الروسي وما يقدمه له ، وإنّ لولا هذا التدخل لكان " الارهاب " اكتسح المنطقة والعالم أجمع كما قال ، ولم يأتِ على ذكر باقي الحلفاء لا من قريب ولا من بعيد .

هذا فضلاً عن التحول الكبير الذي أصاب البعد المعنوي والفكري لطبيعة الصراع ، من خلال الإفصاح الروسي الواضح والجلي والذي لا يشوبه شائبة عن التنسيق والتعاون مع اسرائيل ، وبالتالي فقد أخرج طبيعة الصراع الدائر الآن عن سكته التي جهد الحزب كثيراً لإقناع جمهوره بها وبأنّ الصراع هو بين محور المقاومة والممانعة من جهة وبين المحور الإسرائيلي الأميركي من جهة أخرى

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، ففضلاً عن انكشاف حقيقة الصراع  وأنّه صراع مصالح ونفوذ ليس إلاّ ، فحتى شعار محاربة الإرهاب لم يعد ليشكل رافعة حقيقية له، ويزداد هذا المشهد وضوحاً  مع ارتفاع الحديث عن طبيعة النظام الذي سوف يخلف نظام بشار الأسد مرفقاً هذا الحديث عن صفقات الغاز وأنابيبه التي يراد ايصالها إلى الشواطئ السورية كمقدمة ضرورية لتصديرها إلى السوق الأوروبي .

فمع كل هذه التحولات، والمسارات الجديدة التي تمظهرت بوضوح بمناقشات فيينا التي شارك بها السيد الإيراني، إلى جانب الاميركي والسعودي والتركي، بدا حزب الله على حقيقته وكم أنّه اداة صغيرة جداً في لعبة الامم هذه، بالخصوص اذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما كنا قد أشرنا إليه مع بدايات التدخل الروسي من وجود تباين كبير بين المصالح الروسية والمصلحة الإيرانية والتي اخذت تطفو على السطح وعبّر عنها اخيراً قائد الحرس الثوري منذ ايام .

لا شكّ أنّ وضع حزب الله الحالي لا يحسده عليه أحد ، فلا هو مع هؤلاء ولا هو مع أولئك، فلا هو حمى ظهر المقاومة التي ضاعت بدهاليز الصفقات حتى اختفت صورتها، ولا هو ضامن لمستقبل الحكم في سوريا وما يخطط له بعيداً عنه، وكأن مهمته الوحيدة المتبقية له هي المزيد من القتال وتشييع القتلى بدون اي افق سياسي يذكر، وبدون أيّ هدف يرتجى حتى بات فجأة وكأنه يقف عارياً تحت طائرات السوخوي .