حتى اللحظة مازالت مسؤولية موت الحجاج الإيرانيين وغيرهم مبهمة وغير معروفة الأسباب وربما تكون الزحمة المعتادة سبباً طبيعيّاً للموت في مساحة ضيقة يشتدّ فيها وطيس التدافع للنجاة من عجقة المحتشدين على الطرق المؤدية الى مناسك الحجّ .

لكن هذا السبب الطبيعي يلغى تماماً من القاموس السياسي في ظلّ اتساع الحرب بين إيران والسعودية وتصبح المسؤولية واقعة على أجهزة الأمن المكلفة بتدبير خطط آيلة إلى النيل من الحجاج الإيرانيين في الأرض الحرام والشهر الحرام .

كثرت الأقاويل والأفلام المركبة أو الصحيحة عن دور علني أو خفي للأمن السعودي في الكيد للحجاج اصطياداً لمسؤولين إيرانيين ومن بينهم السفير الإيراني غضنفر ركن آبادي  الذي غاب آثره  وتبخرّ ماؤه وكأنه لم يدخل المملكة - كما تدّعي السلطات المختصة فيها- ولم يطف كنف الكعبة الأمر الذي عزّز من مقولة مسؤولية الأمن السعودي في حياكة ما جرى مع الحجاج من موت سهل قضى على أكثر من ألف حاج ايراني وغير ايراني .

لم يقدّم الأمن السعودي أدلة دامغة على حقيقة ما جرى وكان تعاونهم مع البعثة الإيرانية المهتمة بموضوع موت الحجاج واختفاء الكثيرين منهم موضع ريبة أسهمت في تعزيز نظرية المؤامرة وبات السفير الإيراني اللغز المحيّر في قضية مشبوهة يحاول الإيرانيون جادين إلى وضع ما جرى في دائرة السياسة السعودية المقصودة للردّ على سياسات إيران في المنطقة والدافعة إلى حروب ضروس تفتك بجسد الأمّة العربية .

إذاً نحن أمام حرب مفتوحة ما بين المملكة والجمهورية ويتم من خلالها توظيف كل شيء خدمة لهذه الحرب وتداعياتها ونتائجها ويتم تحويل ما يجري في العالم الإسلامي من أحداث لصالح الصراع بين الدولتين وباتت الحدية المذهبية عنصراً مغذياً لورش هذه الحرب المستفحلة والمستنزفة لطاقات الأمتين العربية والإسلامية وبنتائج مدمرة للجميع دون استثناء .

من هنا تبدو مسرحة الموت في الحجّ نتيجة للتزاحم المُدبر على خلفية تسكير ممرات لمرور أمير محلي أو بواسطة ملاحقات رجال الأمن لمسؤولين إيرانيين وجهة سير طبيعي بين البلدين وتعطي نزعة الخلاف القائم بين الجمهورية الإيرانية والمملكة العربية المزيد من الجرعات القاتلة بسبب ودون سبب تماماً كما هي حال مجزرة الحجّ الثانية وتضاعف من قضية اختفاء شخصية دبلوماسية كغضنفر آبادي لتصبح أسيرة مرويات كثيرة كلها مبررة في ظل اختفاء ظلّ السفير الإيراني لتصل الأمور إلى احتمال اغتيال شخصيات وازنة في ملاحة إيران الدبلوماسية  .

فهل اغتيل السفير فعلاً والمملكة أمام جريمة مدبرة ؟ وهل ستسكت ايران وتكتفي بالردّ بالواسطة المعروفة ؟

ثمّة أسئلة كثيرة تنتظر خروج السفير الإيراني من تابوت الموت ليؤكد نظريتيّ الفوضى والمؤامرة ضدّ الحجُاج الإيرانيين .

وثمّة خرافات كثيرة يطلقها المهتمون بالصراعات المذهبية لشحن النفوس وهزم ما تبقى من إرادة الوحدة عبر إشاعة موجة من السرديات العجيبة والغريبة ومن بينها المقولة المضحكة عن مسؤولية "موساد" سعودي عن اغتيال لأمنيين إيرانيين ومن بينهم السفير الإيراني غضنفر ركن آبادي .