أُسّس لبنان على غلبة مسيحية مارونية تمتعت بخيرات البلاد وسيطرت سيطرة سياسية كاملة على الدولة بحيث أنّالطوائف الأخرى كانت مُستلحقة وتابعة ومناطقها مهمشة وكانت الطائفة المارونية صاحبة الإمتياز طائفة متمتعة بقوّة وقدرة أكبر بكثير من قًدرات الطوائف الأخرى ولم ينحصر حضورها القوي في مجال من المجالات بل طوّقت مصادر القوّة عندها كل شأن من شؤون البلاد من المال إلى العلم وفي المجالات كافة تجاريّاً وخدماتيّاً وتربويّاً كما أنّها استطاعت أن تبني دولة هي الأفضل بين الدول العربية من الأمن إلى العمارة والعملة والسمعة الدولية الأمر الذي جعل من اللبناني محترماً أينما ذهب وأينما حلّ وكانت سفارات العالم تحترم اللبناني وتمنحه تأشيرة دخول إلى أي جهة دولية يريد أن يزورها للتجارة أو للإستجمام .

لقد حوّلت الطائفة المارونية القويّة لبنان إلى منارة سويسرية في الشرق رغم وجود انتقاص كبير من حجم ودور واستفادة الطوائف الأخرى من خيرات لبنان .

لا أحد ينكر وجود نظام الحرمان في لبنان والذي أسهم في قيام الحرب اللبنانية والتي أسهمت في دورها ونتيجة لأطوارها المتعددة في جعل الطائفة القوية طائفة ضعيفة لا حول ولا قوّة لها دون الطائفتين الشيعية والسنية اللتين يتقاسمان أحزاب الطائفة المارونية المسيطرة على الشارع المسيحي .

كان اتفاق الطائف بداية مشروع محاصصة للطوائف الكبيرة في لبنان والتي أكلت من صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني لصالح حكومة يرأسها شخص سُني محكوم بتوازن فعلي مع الطائفة التي نقلتها الحرب من الطائفة المحرومة إلى الطائفة القوية وهي الطائفة الشيعية التي لمع نجمها مع بروز قيادة الرئيس نبيه بري وصعود حركة أمل إلى الواجهة السياسية كممثل وحيد للطائفة في الدولة وفي المعارضة .

لم يستمر هذا التوازن السُني – الشيعي طويلاً إذ سرعان ما سقط مع سقوط زعامة الرئيس رفيق الحريري من خلال قتله وانسحاب سوريا من لبنان وذلك ما أفقد لبنان ضابط الإيقاع بين الطوائف وانفردت الطائفة الشيعية كقوّة وحيدة في لبنان من خلال قدرة عسكرية هائلة لا إمكانية لطائفة أخرى على مجاراتها في ذلك إضافة إلى قوة مالية استثمارية واستهلاكية هادرة لا تستطيع الطوائف الأخرى مجتمعة من موازاة قوة الطائفة الشيعية مالياً وعسكريّاً وهذا الفائض من القوة جعل من الطائفة الشيعية طائفة متصلة بأدوار إقليمية من أمن اسرائيل إلى مجموعة أنظمة داخلة في استراتيجية المصالح الكبرى للدولة الايرانية ذات البُعد المذهبي .

هكذا ولدت طائفة شيعية قوية في كل شيء تماماً كما كان حال الموارنة في فترة حكمهم الذهبي وأمست الشيعة الطائفة المسيطرة على السلطة تماماً كما كان حال الموارنة في إطباقهم التام على الدولة .

وهنا ولد الغُبن بطوائف أخرى واستشعر السُنة بأنّهم خارج حماية الدولة لإمساك الطائفة القوية بالأمن اللبناني وبات هذا الشعور يتعاظم مع ممارسات شحنت من النفوس السُنية الطائفية وجاءت الحرب السورية لتعكس هذا الشعور السيء في المشهد السياسي اللبناني من خلال حدّة مذهبية صاعدة باتجاه الحرب الطائفية في أيّ لحظة سانحة لذلك .

تصرفت الطائفة الشيعية بمنطق أنّها الطائفة القوية من اليوم المجيد في 7 أيّار وحتى اللحظة الراهنة وباستخدام منطق العمالة والتشكيك بوطنية كل من يعارض السلوك السياسي لحزبيّ الطائفة الشيعية واستخدمت  لغات التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور لكل من يمسّ قوّة الطائفة الشيعية من السلاح إلى الأمن وبذلك ازدادت هواجس الطوائف الأخرى من قوّة يجب أن تقف عند حد ما بغية إعادة التوازن المفقود بين الطوائف وإلاّ فقد النظام الطائفي مبرره وأصبح لبنان أمام نظام محكوم بمنطق الطائفة القوية كما كان الحال أبّان المرحلة المارونية .

لم تتعلم الطائفة الشيعية كثيراً من تجربة الطائفة المارونية لذا تُكرّر هذه التجربة رغم افتقادها لمقومات التجربة المارونية المدعومة من الغرب عموماً وثمّة من يرى أنّ النتيجة الآيلة إليها الطائفة الشيعية هي أبشع بكثير ممّا وصل إليه الموارنة في لبنان طالما أنّ العقل المسيطر على التجربة الشيعية هو شبيه بالعقل الماروني الذي أعطى الراغبين في الحرب الأسباب الكافية لخسارة الدولة ونهاية مشروع الطائفة القويّة .