أثار قرار القضاء الإيراني في كانون الثاني من العام الجاري ، بمنع صور وأخبار الرئيس السابق محمد خاتمي، في الصحف والمواقع الإيرانية، وتوعده بإنزال العقوبات في حق المخالفين لهذا القرار، استغراباً واسعاً وإستياءً عارماً .

 حيث أنّ هذا القرار يمثل إنتهاكاً واضحاً لحرية الإعلام ، فضلاً عن أنّه لم يتم اتخاذه عبر المسار القضائي المتعارف عليه في جميع الأنظمة القانونية في العالم ، والذي يحتفظ بحق الإعتراض للمتهم المدان . وأرجع المتحدث بإسم القضاء الإيراني محسني إيجئي ، السبب في إتحاذ هذا القرار إلى أنّ هذا " السيد الخاص" [كناية عن السيد خاتمي] أدى دور رأس من رؤس الفتنة، أي الاحتجاجات الشعبية عقيب الإنتخابات الرئاسية عام 2009 .

ولكنّه لم يوضح السبب في تأجيل هذا القرار أو تعميمه إلى أكثر من خمسة أعوام، وبعد عام والنصف من مجيء الرئيس الجديد ، هذا والجميع يعرف بأن خاتمي أدى دوراً ريادياً في تهدئة المحتجين على نتائج الإنتخابات وأنّه طالب من المتظاهرين ، عدم النزول إلى الشوارع بعد ما حذّر المرشد الأعلى أية الله خامنئي من تحويل الشوارع إلى معسكرات للمحتجين ، وبالرغم من أنّه وقف بجانب المرشحين الرئاسيين، مير حسين موسوي ومهدي كروبي ولكنه لم يقاطع الانتخابات النيابية والرئاسية، وعندما شارك في الإنتخابات النيابية عام 2012 خطف وكالة الأنباء "فارس" المقرب من الحرس الثوري، خبر تصويته في مدينة صغيرة بضواحي طهران، ووضع صورة لخاتمي تظهره يدلي بصوته إلى صندوق الإقتراع .

استشهد الإعلام الحكومي أنذاك بتلك الصورة، على طمأنة المرشد الأعلى بأن الإصلاحيين لم يقاطعوا الإنتخابات ولم يخرجوا من دايرة المشاركة إلى المعارضة .

كما لا ينكر أحد الدور الذي أداه الرئيس خاتمي في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة 2013، بدعوة مناصريه إلى المشاركة فيها، والتصويت للمرشح المعتدل ، حسن روحاني، ممّا أدى إلى فوزه على منافسه القوي محمد باقر قاليباف، الذي كان يتصدر الإستطلاعات حتى الأيام الأخيرة قبل الإنتخابات، عند ما كانت القاعدة الإصلاحية عازمة على مقاطعة الإنتخابات .

وكان لافتاً أنّ الرئيس المنتخب وجّه تقديراً خاصاً للرئيس خاتمي خلال أول مكالمة إذاعية له بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات ، ثم زاره في منزله لتقديم واجب الشكر والإمتنان .

وبعد مجيء الرئيس الجديد حسن روحاني ، حاول الرئيس خاتمي ، أكثر من مرة على التقدم في المصالحة الوطنية ، وطي صفحة الماضي ، كما أنه ردّا على سؤال صحافي اعتبره المنتصر الحقيقي في الإنتخابات الرئاسية، صرح بأنّه يعتبر الجميع منتصرين في تلك الإنتخابات، ومنهم  السيد الخامنئي.

كان الشيخ هاشمي رفسنجاني أوّل من إعترض على القرار القضائي بمنع صور خاتمي ، كما عبّر الناطق الرسمي بإسم مجلس صيانة الدستور ، أنّ إصدار هكذا قرارات لا يليق بالقضاء، ممّا يوحي بأنّ القرار لم يصدر بإيحاء أو إشارة من المرشد الأعلى ، بل إنّه اجتهاد استنسابي من قبل المحافظين المسيطرين على القضاء، الذين يقدمون في يعض الأحيان، تفاسير غير إنسانية من النصوص القانونية، للتضييق على منافسيهم السياسيين .

وتطبيقاً لهذا القرار ، نفّذ القضاء عقوبة التجميد على عدد من المواقع الإخبارية نشرت صوراً وأخباراً للرئيس خاتمي ، ولكن في الوقت نفسه نشرت إرنا (وكالة الأنباء الحكومية الإيرانية) رسالة تعزية الرئيس روحاني للرئيس خاتمي على وفاة شقيقته ، ولم يعترض لها القضاء، ممّا يعني بأنّ وكالة الأنباء الحكومية الإيرانية فوق القانون ! كما الرئيس روحاني فوق القضاء !

ولم تسفر جميع الوساطات عند القضاء الإيراني ، لسحب هذا القرار الغريب، عن أيّ نتيجة، حتى أرسل مجمع العلماء المناضلين (الإصلاحي)، في الشهر الماضي رسالة إلى الرئيس روحاني طالبه بالعمل من أجل إلغاء القرار بمنع صور وأخبار خاتمي واستخدام صلاحياته القانونية ، كمسؤول عن تطبيق الدستور، ووضع حد لنقض الحقوق الدستورية من قبل القضاء .

 وذكّر المجمع، الرئيس بأنّ الدستور يقر براءة جميع المواطنين، إلا من ثبت إرتكابه للمخالفة، عبر المسار القضائي ، بينما الرئيس خاتمي لم يوجّه له أي اتهام قضائي، ولم يمثل أمام المحكمة.

وجاء الرد من قبل الرئيس روحاني، سريعاً وسرّياً، وكشف عنه محمد علي أبطحي، رئيس مكتب الرئيس خاتمي السابق، وقال بما أنّ رسالة الرئيس روحاني ، تحمل طابع السرية، لا يمكنه الإفصاح عما تتضمنه تلك الرسالة، ولكن يبدو أنها تحمل عتباً للقضاء أو دعوة لها للكف عن مخالفة الدستور.

لم تسفر رسالة الرئيس روحاني، إلى القضاء عن أي نتيجة، حتى اضطر في الأسبوع الماضي إلى إفضاح المتحدث الرسمي للقضاء، بالقول إنّ كل من يدعي بأنّ  مجلس الأمن القومي أصدر قراراً بمنع صور وأخبار أي شخص، فهو كاذب، وأن مجلس الأمن القومي لن يمنع صور أحداً.

كانت تلك الكلمات كفيلة لخروج المعاون الأول للسلطة القضائية والناطق الرسمي لها، الشيخ محسني إيجئي، الذي صرّح بأنّ مدعي العام طهران، هو الذي أصدر قراراً بمنع صور وأخبار الرئيس السابق، محذراً جميع المعنيين، من أيّ معارضة لهذا القرار.

ولكن تصريحات إيجئي زادت الطين بلّة، حيث كانت مغايرة لما لمح إليه سابقاً من أن قرارات مجلس الأمن القومي، فيما يخص فرض الحظر الاعلامي على شخص ما، ملزمة .

ورداً على تصريحات إيجئي، أرسل النائب علي مطهري، رسالة مفتوحة له، طالب فيها بالكشف عن التبريرات والمستندات التي اعتمد عليها مدعي العام طهران، معتبراً أنّ هكذا قرار خرق لحقوق المواطنية.