قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في بتدعي حيث عمل على محاصرة بذور الفتنة بين أهل البلدة وآل جعفر إن "من المعيب ان يصبح البقاع أرضاً سائبة لقطّاع الطرق والمعتدين على أرواح الناس، ومن المؤلم أن بعضاً من المسؤولين عن أمن المنطقة يرتشون للغض عما يرتكبه قطاع الطرق من شر".
لم يقل الراعي جديداً، فالكلام نفسه يردده أهل البقاع عن ظهر قلب منذ زمن بعيد، لكن تبني بطريرك الموارنة إياه يجعل وقعه أقوى على السامعين إذا كان ثمة من لا يزال يسمع. ولا نريد هنا أن نحمل الحكومة كسلطة سياسية المسؤولية عما يحصل، بل أكثر السلطة الامنية، وأكثر منها سلطة الامر الواقع في البقاع الشمالي، وتحديداً "حزب الله" و"حركة امل"، إذ أن الامن - المتفلت غالباً - منوط بهما منذ زمن الحرب في تلك المنطقة، وشاطرتهما النفوذ الوصاية السورية زمناً طويلاً، لا لفرض الأمن، بل طمعاً بتقاسم مداخيل زراعة المخدرات، وتوزيع السيارات المسروقة والمكدسة هناك قبل أن يُصار الى نقل بعضها إلى سوريا وبيع البعض الآخر.
الكل يعلم في البقاع أن بعض الأمن متواطئ، ولا سبيل للقبض على أحدهم، لان الخروق في الأجهزة الامنية، قبل التدخلات السياسية، واحيانا التهديدات من العشائر أو الأحزاب، تمنع تنفيذ أي مهمة. ولا خروج من هذا النفق الا برفع الغطاء السياسي عن هؤلاء لاعادة المنطقة الى كنف الدولة، والا فان كرة الثلج ستستمر في التدحرج والتوسع لتنقلب على المتفرجين تارة، وعلى المحرضين أطواراً.
واذا كان الحزب،ومعه الحركة، اندفعا الى حوار مع "المستقبل" لتحصين الساحة الداخلية في وجه المؤامرات التي تعصف بلبنان، فإن العمل على تثبيت سلطة الدولة والقانون، كفيل ايضا بتحصين الوحدة والعيش المشترك. أما حماية المجرمين والمعتدين، فتدفع الى الثأر ان امكن، او الى تهجير الناس في زمن السلم، ويكون آنذاك تهجيراً منظماً يتناقض مع كل الكلام الجميل الذي يتردد في المناسبات.
لقد ناشد البطريرك آل جعفر "ان يسلموا القتلة، لكي ينفتح أمامهم باب المصالحة، لان لا مصالحة من دون عدالة"، ونحن بدورنا نقول للاحزاب الفاعلة على الارض، ورؤساء العشائر الذين يتغنون بقيم يتوارثونها، إن عليهم أن يعملوا لمصالحة حقيقية تنقي القلوب.
وبالعودة الى كل ما قاله الراعي، نرى ضرورة اعتباره إخباراً أمام القضاء والاجهزة الامنية، لا للرد عليه، او تكليف ابواق الرد، بل للعمل على اصلاح ما افسدته الحرب والوصاية وكل انواع الرَشى.