حضرَ إلى عين التينة بالزيّ الوطني السعودي ليؤكّد أنّ بلاده مع الحوار. السفير علي عواض عسيري عملَ له ولا يزال، كانت رسالته دائماً: «تَحاوَروا، تفاهَموا، إتّفقوا في ما بينكم على إنقاذ وطنِكم». هل عادت القيادات من غربتِها، وتخَلّت عن رهاناتها، أم لا تزال تنتظر في المحطة قطارَ التوافق السعودي - الإيراني - السوري - الفرنسي - الأميركي - الروسي؟

في عين التينة شُعلةُ أمَل، بدأ العَدّ العكسي لإطلاق الحوار بين المعاونين السياسيّين في مراحلِه الأولى، الأجواء واعدةٌ والجهود مكثّفة للانتهاء من «الروتوش» الأخير، لكنّ الذين تناوَلوا العشاء مع وزير الخارجيّة السوري وليد المعلم إلى مائدة السفير علي عبد الكريم علي، لم يخرجوا بهذا الإنطباع.

لسان حال بعضهم: «طويلة ومعقّدة. فشلُ توقيع إتفاق نهائي، وتمديدُ المفاوضات بين إيران والمجموعة الدوليّة يدعو كلّ طرف إلى التمسّك أكثر بالأوراق التي يملكها في الساحات المحَلية والإقليميّة». «8 آذار» كانت حاضرة بغالبية مكوّناتها إلى الطاولة السوريّة، و»14 آذار» لا تزال بغالبية مكوّناتها حول الطاولة السعوديّة، فماذا تغَيّر؟!».

وزير الحرس الوطني السعودي الأمير متعب بن عبدالله بن عبد العزيز العائد من واشنطن يقول لصحيفة «الشرق الأوسط» إنّ التباين في المواقف مع الإدارة الأميركيّة حيال سوريا قائمٌ، لكنّه لا يُفسد الودّ في العلاقات، ومحاربة الإرهاب تستوجب الإطاحة بالنظام الذي يمارس الإرهاب.

الإدارة الأميركيّة تُراجع حساباتها بعد استقالة وزير الدفاع تشاك هاغل، وانتهاء مفاوضات فيينا بلا توقيع الاتفاق مع الإيرانييّن. وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف يؤكّد أمام أعضاء الوفد السوري دعمَ موسكو النظام، وتمسّكها بالرئيس بشّار الأسد ليكون شريكاً فاعلاً في أيّ تسوية.

وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس يتحدّث عن «ضربات غامضة» ستُوَجَّه الى النظام بهدف إضعافه وخلخلةِ قواعده، يردّ المعلم بأنّ صواريخ الأرض - جو الروسيّة المتطوّرة ستكون في خدمة الجيش النظامي قريباً. هل المنطقة ماضية نحو التسويات، أو نحو مواجهات عنيفة ستطاول شظاياها دوَلاً كبرى؟

التحدّي الأبرز في رسم اللبنانيين: هل تتخلّى فاعليّاتهم عن الخارج وتحتكم الى حوار يُصنَع في لبنان، أم أنّ «مرابط خيلِها» لا تزال موزّعة بين دمشق، وطهران، والرياض، وباريس، وموسكو، وواشنطن من دون إغفال عواصم أخرى مؤثّرة.

يقول ديبلوماسي محنّك إنّ الخلاف في لبنان يدور حول الصورة. هناك أزمة صورة، يجتمع مجلس الوزراء بلا صورة على الحائط في قاعة الإجتماعات، ويقتصر دور الرئيس تمام سلام على إدارة الإشتباك ما بين الوزراء لكي لا تسقط الحكومة بالضربة القاضيّة، أو نتيجة مفاجأة غير متوقّعة.

في عين التينة يحضر شبحُ الصورة، وكلّ المرجوّ والمطلوب في هذه المرحلة أن تلتقط عدسة المصوّرين صورةَ الطاولة ومِن حولِها يجلس المعاونون إيذاناً بانطلاق الحوار. الفراغ يولّد الضجَر، ولا يريد الرئيس نبيه برّي أن يتزعّم تيار الضجرانين، بعدما فرَض التمديد بمطرقتِه. يحاول أن ينتزع من السراب أمَلاً، يعرف أنّ الطاولة لن تأتيَ بالمعجزات، في ظلّ الظروف العربيّة والإقليميّة والدوليّة الراهنة، لكنّ وجودها أفضلُ من غيابها.

المسيحيّون، وتحديداً الموارنة، تهمّهم الصورة معلّقةً إلى الحائط، لكنّهم يرفضون أن تكون جزءاً من الديكور. النظام في لبنان ليس ديكوراً، وإن كانت دوَل كبرى قادرة أن تعبثَ بمحتوياته ساعة تشاء. تعقيداتُه الطائفيّة والمذهبيّة والمناطقيّة والفئويّة تجعل منه وطنَ الضرورة، وقد جمَّلَ البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني هذا التوصيف بالقول: «إنّه وطن الرسالة»، ربّما كان يستشعر مسبَقاً عصر التوحّش الذي يضرب المنطقة حاليّاً، وكم أنّ الحاجة ملِحّة لثقافة الحوار في مواجهةِ هذا التوحّش، وكم أنّ لبنان يمثّل مختبرَها الأمثل.

هناك محاولةٌ لاستعادة لبنان من خلال إعادة الصورة، لكن وفق أيّ نظام ودستور وصيغة؟ وهل تُعاد لاستكمال الديكور، أم لتفعيل النشاط، وإعادة الحياة والحيويّة الى البيت؟ ثمّ مَن يعيدها؟ الإقطاع السياسي المالي الإقتصادي؟ وكيف يجرؤ طالما إنّ مواكب سفراء الدوَل الكبرى والصغرى تجتاح أرتال السيارات، وتقفز فوقَ رؤوس المواطنين المحتجزين داخل سياراتهم لانتزاع أفضلية المرور؟

حاولَ الطائف أن يكرّس في مرحلة من المراحل مظهريّة الصوَر الثلاث، إلّا أنّ التجربة أثبتت أنّ جسماً يُدار برؤوس ثلاثة هو مِسخٌ غير قابل للحياة، وعندما أُنزِلت الصورة عن الجدار تبيّن أنّ الصورتين الأخرَيين باهتتان يسكنهما الفراغُ والخوف، والقلق على المصير.