تشير المراسلات المتداولة مع وزارة الخارجيّة إلى أنّ الأردن يرغب في تقديم أسلحة حديثة للجيش اللبناني. أثيرَ هذا الموضوع مع الوزير جبران باسيل عندما زارَ عمّان أخيراً، وكان للبحث صِلةٌ في كواليس الجامعة العربيّة الخميس الماضي، على هامش الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجيّة العرب، على أن تُستكمَل الإجراءات اللازمة من خلال القنوات الديبلوماسية، أو الحركة السرّية للموفدين بين البلدَين.

ليست المرّة الأولى التي يقدّم فيها الأردن هبة، ولكنّها الاستثنائيّة، نظراً لخطورة المستجدّات، وسُبل المواجهة. ويستند الكلام عن الهبات، والتسليح، إلى جملة أفكار ومقترحات يحاول جنرالات البنتاغون المكلفين قضايا الشرق الأوسط، العملَ على تنفيذها، وفق شراكة أمنيّة يضطلع بها كلّ طرف وفق إمكاناته والدور المسند إليه.

تركيا لها خصوصيتها، عضو في الحلف الأطلسي، مكلّفة دوراً أمنيّاً لا تتجاوز الخطوط الحمر المرسومة لها، والدليل أنّها لم تعط منطقة عازلة على طول الحدود المشتركة مع سوريا، ولا منطقة حظر الطيران، وحساباتها الخاصة في التعاطي مع عين العرب (كوباني) لم تتوافق وبيدر مصالحها الضيّقة.

العراق وسوريا يتمتّعان برعاية أميركيّة مباشرة، عادت عناصر «المارينز» إلى بغداد تحت شعار تدريب الجيش العراقي، ويدور الحديث عن إقامة قواعد عسكريّة ثابتة، على رغم الرفض الإيراني المعلَن.

في سوريا تحدّثَ الرئيس باراك أوباما عن تطويع 400 عنصر لتدريب المعارضة المعتدلة، وفق برنامج يمتدّ لسِتّ سنوات. والمفارقة، أنّ الجميع يتحدّثون عن مهمّات، وحوارات، ومؤتمرات لإيجاد تسوية في سوريا، فيما يخطّط البنتاغون لبرنامج عمل يمتدّ لسِتّ سنوات، من ضمنِه تدريب المعارضة المعتدلة.

أمّا النظرة إلى لبنان والأردن فمختلفة، هناك رعاية أميركيّة حاضنة تنطلق أوّلاً من التحدّيات المشتركة، ذلك أنّ البلدين يعانيان من كثافة النزوح السوري، ومن المشكلات الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة المترتّبة.

ويعانيان من الإمكانات المحدودة ماليّاً واقتصاديّاً، ومن المَدّ الأصولي الذي يشكّل بيئات حاضنة للإرهاب. وما يقترحه جنرالات البنتاغون تعاوُن أمنيّ يقوم على التنسيق بين الأجهزة المعلوماتيّة، وعلى تكثيف برامج التدريب، وتحقيق نوع من التكامل اللوجستي، بما في ذلك مصادر التسليح.

وتنطلق النظرة الأميركيّة الاستراتيجيّة من:

أوّلاً: إنّ لبنان والأردن على خطّ تماس واحد مع سوريا، ويتحمّلان أوزار التداعيات الأمنيّة والسياسيّة والإنسانية. إنّهما من طبيعة اقتصادية واحدة محدودة الإمكانات، ومن طبيعة مجتمعيّة متنوّعة ما بين عادات وتقاليد محافظة، وانفتاح واسع على الآخر.

ثانياً: إنّ الجيشين يواجهان خطراً مشترَكاً، الإرهاب. ويواجهان حدوداً مفتوحة على الداخل السوري المتفجّر. ويواجهان مدّاً تكفيريّاً يتّخذ من بعض البيئات الأصوليّة مقرّاً لنشرِ سمومه.

ثالثاً: إنّ الكيانين والنظامين كانا، ولا يزالان، موضعَ تشكيك واستهداف من دوَلٍ وأنظمة قريبة، وبعيدة. وإنّ الساحتين عرضَة لمؤامرات تُحاك في السرّ والعَلن للنَيل من منعتهما، أو على الأقلّ لتسديد فواتير، وتصفية حسابات على حساب استقرارهما.

بعد الإرهاب الذي ضربَ فرنسا، استشعرَت قوى التحالف الدولي من خطرَين: تفاقُم المدّ الإرهابي داخل مجتمعات الأقلّيات لضربها بهدف تفكيكها على خلفيّة دينيّة مذهبيّة، ولبنان والأردن ضمن هذه الدائرة من الخطر. وعودة السخونة إلى المحاور الدوليّة ـ الإقليميّة المتواجهة عند حدود الملفّات الساخنة المفتوحة في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ودوَل أخرى في الشرق الأوسط، الأمر الذي يعرّض البلدين لمزيد من التداعيات السلبيّة، وانعكاساتها المباشرة على ما تبقّى من عافية اقتصاديّة، وإمكانات الصمود لكليهما.

ويفرض هذا النوع من التكامل الأمني الذي يسعى إليه البنتاغون بين البلدين، إلى إعادة النظر في سياسة التسلّح، والانتقال من المثلّث اللبناني ـ السعودي ـ الفرنسي، إلى المربّع الأميركي ـ الفرنسي ـ السعودي ـ اللبناني، بحيث يكون للولايات المتحدة وجهة نظر في السلاح الذي قد يصل وفاعليته في مواجهة تحدّيات المرحلة في الداخل وعلى الحدود، مع الحِرص على خصوصيتين لا تريد التفريط بهما: الدور الفرنسي الناهض في لبنان ديبلوماسيّاً من خلال مهمّة فرنسوا جيرو، وأمنيّاً من خلال سياسة التسليح والتعاون المخابراتي.

والحِرص على بقاء لبنان الدولة والنظام والمؤسّسات في إطار المناخ الأميركي ـ الأوروبّي ـ السعودي ـ الخليجي، من دون التنكّر للحيثيّة الإيرانيّة على أرضه، والتي يمثّلها حزب الله المنهمك بتدخّلِه في سوريا، وتمدّدِه في العراق، وقطاع غزّة، والبحرين...

وتستدرك مرجعيات ديبلوماسيّة متابعة بالقول، إنّ الأمور ليست محسومة بكاملها، فهناك تدخّلات وصعوبات وإشكاليات قد تطرأ لتفرملَ الاندفاعة، واحدة منها، تدَخّل حزب الله علناً في شؤون البحرين، الخليجيون ينظرون إليه «فصيلاً» من الحَرس الثوري الإيراني، فيما ينظر إليه الأميركيون «ساعي بريد جيّد» في إيصال الرسائل الإيرانيّة، خصوصاً تلك المتصلة بالبرنامج النووي، والمفاوضات في شأنه.