فتح داعي الإسلام الشهال‏ صفحةً جديدة. يريد حواراً وضمانات توفّر له عودة كريمة وآمنة. أخذ وزراء تيار «المستقبل» علماً، كما أخذ الملف طريقه الى طاولة الحوار مع «حزب الله».

العودة - في حال حصولها - تعني عودة آخرين أيضاً الى جبل محسن. و«الصفقة» إما أن تكون متوازنة، أو لا تكون، والحديث عن الصفقات لا يقتصر على المحليّين، بل يشمل أولياء الأمر في السعوديّة، وإيران، وسوريا حيث يُسجَّل للنظام إختراقات مهمة. «به ينجح الحوار، ومن دونه فراغ ودوران في الحلقة المفرغة»، والكلام هذا لديبلوماسي إقليمي قاله أخيراً في مجلس قطب بارز.

فرضت السلطات المختصّة التأشيرة على كلّ سوري يودّ الدخول، تنفيذاً لقرار صدر عن مجلس الوزراء للحدّ من النزوح. إنها تأشيرة شاءتها الحكومة أيضاً للعودة، ولو بخفر، الى دمشق، والتنسيق مع الحكومة السوريّة لضبط الحدود.

لقد إنتهى دور العرّافة، وقارئة الفنجان، وإنتهت الإحتفالات بعيد رأس السنة، وجاء دور السياسيّين العرّافين ليقرأوا جيداً في فنجان الوطن. ومن هذه القراءات، أنّ ضبط النزوح من ضبط الحدود، وضبط الحدود لا يمكن أن يتمّ من طرف واحد، بل بالتنسيق والتعاون ما بين السلطات المختصّة في كلا البلدين.

حاول التفرّد اللبناني سابقاً، تولّي هذه المسؤولية، وفشل، ولم يعترف بتداعيات هذا الفشل إلّا بعدما أصبح أكثر من مليون ونصف المليون نازح في صحن الدار، وقد جاؤوا بكامل تعتيرهم وكيدياتهم وخصوصياتهم وإنقساماتهم... حاولت حكومة المصلحة الوطنيّة بناء مخيّم على الحدود المشترَكة، ولم تفلح بعدما رفضت الحكومة السورية ذلك. لجأت الى الأمم المتحدة، ومنظماتها المتخصصة، والدول الكبرى المانحة والقادرة على المساعدة، إلّا أنّ الجواب كان قاطعاً: «الفيتو» السوري صادم، والحكومة السورية لا تزال قادرة على إستخدام حقّ النقض.

سلاح الثلاثة مليارات، او الأربعة مليارات مهمّ، ولكنه غير كافٍ لحماية الحدود، وتتطلّب مواجهة «داعش»، و»جبهة التصرّة» تنسيقاً بين الجيشين، وقد بدأ بخفر، وبغضّ طرف دولي، بعدما فشلت سياسة النأي بالنفس في تحرير العسكريين. إنتهى زمن العرّافين، جاء زمن الحقائق والوقائع على الأرض. في كلّ يوم مواجهات. ومع مطلع كلّ فجر، هناك حرب إستنزاف مكلِفة.

لا يمكن لجيش نظامي أن يدخل في حروب إستنزاف مع عصابات وميليشيات. المليارات الأربعة لا تكفي، ولا الأربعين ملياراً، وفي زحمة الحوارات والمؤتمرات، لا بدّ من تحسّس الرؤوس على الأكتاف، ومواجهة الحقائق كما هي.

الحوار بدأ، وهذا لا يكفي، لأنّ المسار الحواري يقابله مسار أمني متقلّب على طول الحدود، ويُخفي مفاجآت كثيرة غير سارة إذا لم يُعالَج بالفطنة والحكمة والتبصر. والمشترَك بين المسارين، توفير الإرادة المصممة، والغطاء الدولي الضامن. لايكفي أن تكتمل مواصفات الصورة في عين التينة، بل مواصفات الإرادة المصمّمة أيضاً. لا أحد ينكر أنه حوار الوكلاء عن السعوديّة وإيران، فهذه حقيقة دامغة.

ولا أحد ينكر أنّ عباءة المليارات الأربعة تُظلّله، وهذه حقيقة متداوَلة، لكنّ الحقيقة الأبلغ أنّ الطرفين متورّطان بشكل او بآخر، ولو بنسب متفاوتة، وأنّ خروجهما من الداخل السوري وعودتهما الى البيت اللبناني ليسا بالأمر السهل، وإن لم تكن سوريا على طاولة الحوار، فهي على الحدود، وإجتياز الحدود بات يتطلب تأشيرة لكلا الطرفين.

يريد الشهّال العودة الى بيته آمناً مطمئناً، لينشد الدفء في بيئته وجيرته. يُريد العسكريّون المحتجَزون العودة الى أهلهم لينشدوا الدفء في أحضان عائلاتهم. يريد «الداعشيون»، و»النصرويّون» كهوفاً دافئة تأويهم من برد كانون. يريد الجيش إقفال المسرح العرسالي، ووضع حدّ لمهازل «الطاقيات» واللحى الداشرة الفاتحة على حسابها.

ولّى زمن العرّافين، جاء زمن المكاشفة والمصارحة، لا يمكن التورط في الداخل السوري ساعة يريد البعض، ويخرج ساعة يشاء، من دون أن يدفع الرسم للحصول على تأشيرة.

لا يمكن مواجهة تداعيات الأزمة السورية، بإفتعال مزيد من الأزمات وتحت شعارات وذرائع تمليها الكيديات والعصبيات المذهبية، وإذا كان الحوار قد شقّ طريقه على رغم إعتراض المعترضين، فإنّ الحدّ من التشنّج المذهبي لا يكون إلّا إذا نجح المتحاورون، ولكي ينجحوا، يجب ضبط الحدود المفتوحة على المآسي والمعاصي، وضبطها لا يكون بإقرار التأشيرة فقط، بل بقرار كبير، وتعاون جديّ، يحمي هذه التأشيرة، ويمنحها صدقيّة ومشروعيّة، وهذا ليس مطلوباً من العرّافين، بل من السياسيّين المضطرين الى تحسّس رؤوسهم جيداً مع مطلع 2015.