تجري الآن في مدينة فيننا آخر جولة من المفاوضات النووية بين إيران والدول الست الكبرى، وتفيد أغلب التكهنات المتفائلة منها والمتشائمة بأننا نعيش حالة الجهل بالنسبة للنتائج النهائية لهذه المفاوضات الصعبة التي من شأنها أن تُحدث تغير مسار العلاقات الإيرانية -الأوربية الأمريكية.

سبقت هذه الجولة الأخيرة، فوز الجمهوريين في الانتخابات الأمريكية وخسارة الديمقراطيين الأغلبية في مجلس الشيوخ، كما لم ينجح الرئيس روحاني في إقناع البرلمان بمرشحه لوزارة التعليم العالي، ويبدو أن الرئيسان البراغماتيان روحاني وأوباما يعيشان في ظروف مشابهة، حيث أنهما يواجهان نواب متشددين يعرقلون دون نجاح المفاوضات وخروجها بنتائج متسالمة.

وبينما هناك متشددون أمريكيون يعولون على استخدام القوة العسكرية في مواجهة مشروع النووي الإيراني، ويرون فيه الطريق الأمثل لردع إيران من الوصول إلى السلاح النووي، هناك أيضا متشددون في إيران يرون بأن الولايات المتحدة التي منشغلة الآن بمواجهة داعش في العراق وسوريا، لم تعد قادرة على ضرب إيران العسكري، فضلاً عن نجاح إيران النسبي في تدوير العقوبات وإحباط مفعولها.

الجماعات الضاغطة الصهيونية في الولايات المتحدة لا يألون جهدا لإفشال المفاوضات كما أن هناك أطرافاً عربية تحاول الحؤول دون وصول الطرفين إلى الإتفاق النهائي عبر الضغط على الولايات المتحدة وفرنسا التي لديها صفقات نوعية عسكرية واقتصادية معها.

أما الروس أيضا يبدو أنهم خلافا لما يُظهرون، يرحبون باستمرار التوتر في العلاقات الإيرانية - الغربية، لأن أي تسوية نووية، من شأنها رفع العقوبات النفطية، وضخ ملايين براميل من النفط الإيراني إلى السوق، سيخفض اسعار النفط الهابطة إلى الأدنى خلال أربع أعوام ماضية.

هذا فضلا عن أن استمرار الأزمة النووية، سيحد من قدرة الغرب على المناورة في أوكرانيا.

الطرف الأمريكي يطالب الطرف الإيراني بإظهار المرونة اللازمة والطرف الإيراني يطالب الأمريكي بعقلنة توقعاتها، والكف عن حلم الحصول على ما لم يتمكن من الحصول عليها عبر فرض العقوبات، على طاولة المفاوضات، لأن المتشددين في إيران، بالمرصاد ويرفضون أي اتفاق لا يحترم الطموحات الإيرانية. المتشددون الإيرانيون لن يقبلوا بالتخصيب الديكوري الذي يكون الهدف منه حفظ ماء الوجه.

يرى كثر من الإيرانيين بأن المشروع النووي لم يكن يستحق هذه التكلة الباهظة، ولكن في إيران لا صوت فوق صوت الإباء والصمود.

لحد الآن لا يلوح في الأفق أي ملامح للتسوية النهائية، ومن المستبعد أن يتصاعد الدخان الأبيض في الأيام الأربعة المقبلة، وأقوى الاحتمالات هو أن يرضى الطرفان بالتمديد أو اتفاقية مؤقتة جديدة، تختلف عن سابقتها الجنيفية.