في حضرته تتعثر الحروف، ويقف القلم حائراً من أين يبدأ وكيف يُنهي؟ وكيف لا تنثني الأحرف وتتهادى النقاط ونحن في حضرة رجلٍ ترك لنا من نور مداده زاداً ومعيناً لا ينضب، ومن سعة فكره وسديد رأيه، ما نحتاج اليه في هذه الأيام العصيبة والسنين الداعِشة، حيث كان شديد الحرص عل فهم الواقع وتقليم الشوائب، وبلسمة الجراح. همه الوطن ووحدة أبنائه على اختلاف مشاربهم لكي يبقى كالبنيان المرصوص وكالطود الشامخ أمام العواصف في زمنٍ تكالبت فيه علينا الأفكار المغلفة وهبّت فيه نار الفتنة العمياء وراحت تعيث فساداً حيثما تطال ألسنتها...

العلامة السيد هاني فحص كان بيننا ولم تزل كلماته بالمرصاد تواجه كل انحراف وتتصدّى لكل تفكك أو انحياز... وكما اختارنا الله أمةً وسطاً كذلك كان متمسكاً بالوسطية التي تحفظ الكيان من الإنهيار والتشرذم. فالوطنية الحقيقية هوية متماسكة ومحور ثابت يرتكز عليه الوجود وتستقيم معه الحياة الكريمة.

السيّد هاني فحص علّامة ومجاهد آثر الأفعال على الكلمات بل كانت أفعاله مصداقاً لكلماته يترجمها من خلال ما قد أنشأه من مؤسسات خيرية وقد عهدناه دائماً ممتلكاً للمبادرة والمباشرة بتنفيذ ما يراه ملائماً وفي الوقت الملائم ولا عجب أن ينبت جبل عامل مثل هذه القامة المهيبة، والشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين فتعطينا ثمارها وتنشر أريجها ولا تبغي من جراء ذلك إلا الإصلاح. ألم تكن يا سيدي تصلُ ما انقطع من حبال المودة، وتسعى لرتق العلاقات بين أبناء الوطن العزيز ولا تتوانى عن مصافحة من جافاك وقد كنت تعبّد كل الطرق المؤدية الى الوفاق والإتفاق، بيد أن الأغيار كانوا يتباهون بشدّ الحبال كلُّ الى ناحيته...

كم نحن بحاجة لكل حرف من حروفك السَّنيًّة ومواقفك الجليّة لعلنا ننقذ بلدنا من أن يغرق وسط هذا الطوفان الهائج، فقد كنت في حياتك وموتك رسالة للمحبة والألفة السلام، فكيف نصم الآذان عن سماعك أو كيف نشيح بوجههنا عمّا رسمت لنا من سواء السبيل؟

أيها العلامة الراحل الى رضوان الله تعالى بهدوء العارف الذي أدّى الأمانة وامتاز عن سواه بمسكِ سيرته وقلبه الذي طالما اعتاد على التسامح من أجل الخير العام والمصلحة الوطنية.

تغمدّك الله بواسع رحمته وجعلنا ممن يدافعون عن هذا الشعب الطيب والوطن العظيم...