تقدّمَ رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجيّة خطوات واسعة في السباق الرئاسي. فابتعاده عن العماد ميشال عون، ووقوفه إلى جانب الرباعي الشيعي، السنّي، الدرزي في خيار التمديد له دلالات، وينبئ بتحوّلات في المشهد المحَلّي - الإقليمي.

إلّا أنّ الأنظار تبقى شاخصة نحو الرئيس سعد الحريري. لقد نجحَ في «فرض» التمديد، وعليه أن يفيَ بالتزامات قطعَها أمام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في روما، في شأن إنجاز الاستحقاق الرئاسي. وعليه أن يردّ على دعوة الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله إلى الحوار، وأن يُحدّد موقفاً من النائب سليمان فرنجيّة القطب الآتي من خارج السرب.

الواضح أنّ حسابات الحريري في الرياض، والاعتماد على الرصيد السعودي مهمّ وحيوي في هذه المرحلة، بعد تسييل هبة المليارات الثلاثة مع الفرنسييّن لتسليح الجيش، وربّما أصبح في الموقع الذي يخوّله اختيار إسم الرئيس بالتنسيق والتشاور مع الرئيس نبيه برّي، والسيد نصرالله، وجنبلاط، إذا كان ما قصَده نصرالله في خطابه الإثنين الماضي ممكناً، أي العودة بالاستحقاق من الخارج إلى الداخل.

يكمن التحدّي الكبير في هذه النقطة تحديداً، هل من إمكانية لفصل الخارج عن الاستحقاق؟ وبكلام أوضح هل الأجواء السعوديّة - الإيرانيّة تسمح بذلك في ظلّ المعارك المفتوحة على أكثر من جبهة، وفي أكثر من موقع؟

تُخبّئ الكواليس الديبلوماسيّة أجوبةً مختلفة:

أوّلاً، إنّ التمديد فرضَته المجموعة الدولية لدعم لبنان، لأنّها تعتقد جازمةً بأنّ الساحة مفتوحة ومكشوفة، وأيّ انتخابات نيابيّة ستجري ستكون مواجهة بين المحاور المتنازعة في الشرق الأوسط، وبكلام أكثر تواضعاً بين السعوديّة، وإيران، ومن يقف وراءَهما، وسباقاً بين من يُسيطر، ويفرض أكثريّة مرجّحة.

ثانياً: إنّ التمديد كان لحماية الاعتدال، لأنّ أيّ انتخابات في ظلّ الأوضاع الراهنة، كانت ستأتي بمجلس أصوليّ إلى ساحة النجمة، لذلك كان هناك قرار خارجيّ في الحرص على الاعتدال الذي يمثّله المجلس الحالي، وأيضاً على «الستاتيكو» القائم، ولو بحَدّه الأدنى.

ثالثاً: إنْ لم يكن هناك من منتصِر في صفوف الفاعليات، فليس هناك من مهزوم. عون حافظَ على حجمه في المجلس، واعتمدَ خطابا شعبويّاً. جعجع جدّد عقد تحالفِه مع تيار «المستقبل»، والسعوديّة. التحالف الشيعي - السنّي - الدرزي، فرَض خيارَه، وقد وفّر له الانقسام الماروني الفرصة، ولا يزال. حتى الغالبية في الكتلة الشعبيّة الناخبة لم تكن منزعجة، لأنّها كانت تعرف مسبقاً أنّ أيّ انتخابات وفقَ القانون الحالي ستُعيد هذه الطبقة السياسيّة، حتى ولو اختلفت بعض الأحجام والأوزان. الخاسر الوحيد كان الديموقراطيّة، تونس تذهب إلى صناديق الاقتراع، فيما يزجّ بها لبنان في دهاليز الإهمال، والنسيان.

في ظلّ هذا «الستاتيكو» الذي يريده المجتمع الدولي، يبرز التحدّي الذي دعا إليه نصرالله: هل من قدرةٍ على إخراج الاستحقاق الرئاسي من غرفة الانتظار، إلى غرفة «العناية المحليّة الفائقة، بإشراف الرباعي «حزب الله»، «أمل»، «المستقبل»، وجنبلاط، مع تنويه بالغطاء الذي وفّره فرنجيّة للتمديد؟». الجواب عند الحريري وحساباته في الرياض حيث يملك رصيداً لا يمكن التفريط به تحت أيّ ظرف من الظروف.

أمّا الجواب الأبرز فهو عند المجموعة الدوليّة لدعم لبنان، وخلاصتُه الآتي: هناك إعادة ترتيب للأوراق على الساحة السورية للوصول مجدّداً إلى جنيف، لكن هذه المرّة بمشاركة إيران وجلوسها جنباً إلى جنب مع السعودية، وهذه المسألة لا تزال تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد وتدوير الزوايا الحادة، سواءٌ في اليمن على تخوم الخليج، أو في العراق، أو في كوباني تحديداً، مختبر النيّات والإرادات الدوليّة والإقليميّة، وساحة تبادل الرسائل وتسديد الفواتير.

لكن في ظلّ هذه الانشغالات التي تأخذ بالساحة اللبنانية بعيداً، هناك في الوسط الديبلوماسي من يقول إنّ باب المفاجآت لم يقفَل، و»التفاهم السحري» الذي أفضى بتأليف «حكومة المصلحة الوطنيّة» بـ»11 ساعة»، بعد انقضاء 11 شهراً على التكليف، يمكن أن يتكرّر في لحظة ما ويفضي إلى انتخاب رئيس تحت المظلة الدولية - الإقليميّة - المحَليّة التي وفّرت الغطاءَ للتمديد.