قال رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد حنبلاط كلمته: «جبهة النصرة» ليست إرهابيّة»، ووجَّه رسائله في كلّ اتّجاه. إنّه زمن «برج الغول» الذي يلتهم كلّ شيء، بدءاً من الجغرافيا إلى الديموغرافيا، وبعد «إلتهام» الحدود ما بين العراق وسوريا، جاء دور الأقليات.

«عين العرب» تُصاب بالرماد، العين الأخرى في اليمن تُصاب بالعمى، الحراك الحوثي لا يهدأ، يَلتهم الأرض والمؤسسات. الحراك الجنوبي يرفع رايات الإنفصال، النفوذ الإيراني يتقدّم من باب المندب، ويدقّ أبواب الخليج.

«حزب الله» لم يردّ مباشرة، إعلامُه حمَل الجواب، والخلاف ليس على التوصيف والتصنيف، بل على التهديف. هل المطلوب أن يكون الإرهاب الى الطاولة في أيّ تسويّة؟ الجواب ليس عند الهوامش، بل عند التحالف الدولي. جميعنا، لبنانيون وعرب من الهوامش مهمّشين مهشّمين، لا يمكن أن نصنع قراراً، ولا أن نعدّل فيه، بل علينا أن نطبّقه بالتزام أعمى.

أرضُنا هي أرض الإختبار والتجارب، والرسالات السماوية التي هبَطت في أرجائها زادت من جهلها، وتعتيرها، وانقساماتها، وانفصاماتها. إنّها تعاني اليوم من طوفان حتميّ، وطوفان العنف يُوَلّد طوفان الدم، والدم المصبوغ بالحقد الأعمى يستبيح التاريخ والجغرافيا على السواء.

إنّه «برج الغول»، والجميع - وليس جنبلاط وحدَه - يأبى شرَّه. ما هي حدوده؟ وكم سيدوم؟ لا جواب. الإعصار يضرب، وقد بلغ حدود العواصم: بغداد في دائرة الخطر، أنقرة أيضاً، ولا يمكن التقليل من الحراك الكردي. صنعاء تُعاني من جنون الإجتياحات، بيروت ليست في منأى، وعندما تُحاصر المكانس المجلس والمجالس، يصبح في الإمكان توقّع شتّى أنواع الفلتان. المشكلة لا تقتصر على التمديد، ولا على صدقيّة التفويض، بل على الفراغ. هناك في صفوف الناس من يقول إنّ الفراغ تحصيل حاصل بمجلس، أو بلا مجلس.

هذا الفراغ الذي ينتج الفوضى بأشكالها وألوانها، إنّما استحكمَ برقاب البلاد والعباد في ظلّ هذا المجلس، وشرعيته الوارفة الظلّ، ولم يتمكّن من التصدّي لها بحجّة أنّ القرار ليس عنده، بل عند القوى الخارجيّة التي تتحكّم بمسار الأمور. وعندما حصل التمديد الأوّل تصدّرت حفنة من النوّاب الشاشات، وراحت تغدق الوعود «غداً سنعود الى المجلس لنقرّ قانون الانتخاب». أينه؟ ماذا فعلتم؟ ولماذا لم يُقَر؟ لا حاجة إلى أيّ جواب.

غداً أو بعده يجتمع المجلس ليُمدّد لنفسه ولايةً جديدة، خوفاً من محظور الفراغ. لكنّه واقع، ومستحكم. إستمعوا جيّداً إلى ما يقوله كلّ من تيري رود لارسن، وستيفان دي ميستورا، «خلايا «داعش» و«النصرة» في الداخل، ولبنان على موعد مع خطر كبير، إن لم يتغيّر المسار، وعلى اللبنانيين تغييره بالمسارعة في انتخاب رئيس للجمهورية، وتفعيل المؤسّسات للحدّ من الخسائر. إنْ كان من استحالة لوقف الطوفان، فمن البديهي العمل على الحدّ من أضراره».

هناك في الداخل اللبناني من يردّ على هذين الديبلوماسيين الدوليّين، التمديد قرار دوليّ، وليس صناعة محليّة، الوضع برُمّته ممسوك من الخارج، ومسار الأمور مرهون بالأوقات والظروف والمناسبات والمستجدّات.

صحيح أن لا اهتمام خاصاً بلبنان تحديداً في هذه المرحلة، لكنّ البلد غير متروك، ممنوع على الجيش الإنهيار على رغم بعض المحاولات الفرديّة المقلقة، وممنوع عليه السلاح الحربي الثقيل والفعّال، ومن غير المسموح له أن يتحوّل حجرَ عثرة في طريق المخطط الدولي الذي يشقّه التحالف في العراق وسوريا وتركيا، وإيران، واليمن وصولاً إلى الخليج.

ممنوع على الجيش الحصول على أسلحة من طهران «لكي لا يصبح الأخوة في التحالف، أخوةً في السلاح»، وهذا ما ترفضه أميركا، ليس حرصاً على «داعش» و«النصرة»، بل على المياه الدافئة في الجنوب، لكي لا تتحول إيرانية صافية، وعلى مرمى حجر من إسرائيل.

إنّه زمن «برج الغول». يدعو جنبلاط جميعَ الفاعليات إلى تسوية لاستئصال أنيابه القاطعة التي تمعن تهشيماً بالطوائف والمذاهب، والأقليات والأكثريات، لكن في الوسط الديبلوماسي من يقول «إنّ التسوية لا يمكن أن يصنعها الصغار بمعزل عن الكبار؟!».