أثارت زيارة الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، حفيظة ديبلوماسيّي دول التحالف من حيث التوقيت واللقاءات السريعة، و«فقّاعة» الهبة الإيرانيّة للجيش، ثمّ إنتقاله سريعاً الى دمشق للقاء الرئيس بشّار الأسد.

الموضوع الرئيس المطروح وراء الكواليس يتناول جدّية النصيحة بضرورة العودة الى دائرة التنسيق والتعاون بين الجيش اللبناني وجيش النظام السوري لمواجهة تحدّيات المرحلة.

أسباب أربعة تقلق إيران، أوّلها، إمكانية حصول مقايضة بين سجناء رومية مقابل العسكريين المخطوفين. وهذا إذا حصل يُعتبر إنتصاراً لمحور مشارك في الحكومة سبق له أن طرح هذا المخرج منذ بداية الأزمة بهدف «بَرمجة» أداء المؤسسة العسكريّة، ليس فقط تجاه الداخل اللبناني، بل وفق أهدافه وطموحاته على الصعيدَين السوري والعراقي، مقابل التسليح والإمداد اللوجستي.

ثانياً، إستكمال السياسة الإحتوائيّة هذه بسلسلة من الضغوط النفسيّة على الجيش، إنطلاقاً من أعلام «داعش» أمام مبنى بلدية عرسال، الى أعلام «داعش» في طرابلس، والإعتداء شبه اليومي على عناصر الجيش، وإنتقال العدوى الى أحد المخيمات الفلسطينيّة، كلّ ذلك ليس من باب الصدفة، بل عن سابق تصوّر وتصميم لضرب المعنويات.

ثالثاً، محاولات تحييد الجيش تحت شعار العمل على تسليحه. تنوّع السلاح يقتضي تنوّع الإختصاصات، وكأنّ المطلوب إما أن يكون الجيش أمميّاً ليتمكن من إستخدام السلاح الأميركي، والفرنسي، والروسي، والإيراني، والأوروبي، والخليجي، او محيّداً، لأنّ التسليح لا يأتي بريئاً، بل ليخدم أغراضاً وأهدافاً تريدها الجهات المانحة، خصوصاً أنّ النتيجة تساوي صفراً حتى الآن، لأنّ ما يصل من سلاح، غير ما هو مطلوب، وما هو مطلوب لا يصل إلّا ضمن رزمة شروط مُحكَمة على الجيش أن يتقيّد بها، وهذا ما ترفضه المؤسسة العسكريّة التي تأبى أن تكون حركتها مقيّدة، مقابل حصولها على بعض ما تحتاجه.

رابعاً، الفراغ الذي اتَّسعت رقعته على الساحة، والذي فتح الأبواب وسيعة أمام الفوضى المكلفة، خصوصاً إذا كانت مستوردة. إنّ هذا الواقع السائد أبقى عيون الدول شاخصة نحو الجيش لأنه البقية الباقية من هوية وطن، وعليه الإعتماد لمواجهة المتغيّرات التي بدأت في المنطقة تحت عنوان «القضاء على داعش»، وأولها إعلان الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان الإنضمام الى التحالف الدولي شرط إستئصال الإرهاب، وأيضاً العمل على إخراج الأسد من السلطة.

يقول ديبلوماسي محترف، إنّ التغيير الذي فرضته إيران على مشارف باب المندب في الخليج من خلال الحراك الحوثي في اليمن، لا يمكن أن يكون على حساب نفوذها في المياه الدافئة في جنوب لبنان.

زيارة شمخاني الى كلّ من بيروت ودمشق هي لشدّ العصب، والضغط في اتجاه أن يكون للجيش تنسيق واضح مع جيش النظام لمواجهة كل المحاولات التي ترمي الى إضعافهما، والنيل من معنوياتهما، خصوصاً أنه قبل «داعش» و«جبهة النصرة»، كان هناك «فتح الإسلام» ومخيّم نهر البارد الذي أكد التعاون الوثيق ما بين الجيشين سلاحاً وذخيرة وخبرات وتقنيات، وهذا المثل والمثال يمكن أن يتكرّر اليوم ليس فقط لمواجهة خطر «داعش»، في الداخل والخارج، بل للمساعدة على تأمين عودة النازحين الى سوريا بعدما تفاقم خطر إستيعابهم في لبنان.

ويحاول الإيراني العمل أيضاً على شدّ العصب الداخلي للخروج من الفراغ والفوضى التي باتت عبئاً على «حزب الله» ودوره الداخلي والإقليمي. إنّ زيارة وفد «الحزب» الى كليمنصو كانت لافتة من حيث التوقيت، إذ تزامنت بعيد زيارة شمخاني الى بيروت، وزيارة الرئيس فؤاد السنيورة على رأس وفد الى النائب وليد جنبلاط. من حيث الشكل يبدو وكأنّ هناك تنافساً محموماً على الموقع الوسطي، كلّ يريده في تحالفه.

من حيث المضمون هناك «كلمة سر» أميركيّة منسّقة مع الحلفاء الإقليمييّن والدوليّين مفادها: «إذا كانت الإستراتيجيّة المرسومة من التحالف الدولي العريض للقضاء على الإرهاب تتطلب ما بين ست الى عشر سنوات، فإنّ لبنان لا يمكنه أن ينتظر، وبالتالي لا بدّ من إعادة تفعيل مؤسسات الدولة ليتمكن من الإستمرار، الى حين تنجز فيه التسوية لكل من سوريا والعراق، وإستطراداً الوضع اللبناني»... وإنّ العدّ التنازلي نحو الإستحقاق الرئاسي قد بدأ.