تساءلَ سياسي مخضرم هل هي مجرد مصادفة أن تتزامن عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان مع تكليف نائب رئيس مجلس النواب العراقي حيدر العبادي رئاسة الحكومة بعد أزمة حكومية طويلة لم يكن سهلاً معها تغيير الرئيس نوري المالكي؟

وذكّر هذا السياسي المخضرم بأنّ خروج الحريري من رئاسة الحكومة مطلع العام 2011 تزامنَ أيضاً مع تثبيت المالكي في رئاسة الحكومة العراقية، على رغم انّ خلافاً دستورياً دار يومها، مثلما هي الحال اليوم، حول طريقة تسمية مَن هي الكتلة الاكبر في مجلس النواب العراقي.

يومها، كانت الكتلة العراقية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور اياد علاوي هي التي فازت بأكبر عدد من المقاعد النيابية في الانتخابات، لكنّ المالكي ومعه إيران آنذاك نجحا في تشكيل «التحالف الوطني» الذي بات الكتلة الأكبر فرشّح المالكي لرئاسة الحكومة، ويُقال يومها انّ دمشق قد خسرت علاقاتها الجيدة مع المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر لأنها اتُهِمَت بأنها كانت وراء استقالة الوزراء العشرة في حكومة الحريري التي أدّت الى سقوط هذه الحكومة، فيما كان هو شخصياً مجتمعاً بالرئيس الاميركي باراك اوباما. ويومها، اعتبرت هذه الاستقالة ضربة سياسية، ليس للحريري وحده، بل لجميع حلفائه في المنطقة، وللهَيبة الاميركية نفسها، فكان لا بدّ من أن تدفع دمشق الثمن.

والأمر نفسه ينطبق تقريباً على موضوع المالكي، إذ وعد السوريون الرياض والدوحة وانقرة بأنهم سيضعون كلّ ثقلهم للمجيء بعلاوي رئيساً للحكومة العراقية ويسعون الى إقناع طهران بالتخلي عن المالكي، لكنّ السوريين لم يلتزموا وعودهم، وفق تلك العواصم، فكان لا بدّ من أن يدفع النظام السوري ثمنَ ذلك أيضاً.

طبعاً، ليس منطقياً حصر ما جرى في سوريا على مدى كلّ هذه السنوات بأنه مجرد نتيجة لإبعاد الحريري عن الحكم في لبنان وتثبيت المالكي رئيساً للحكومة العراقية، علماً انّ كثيرين يعتقدون انّ قرار إطاحة الحريري كان قراراً لبنانياً في الدرجة الاولى ورداً على سياسات لبنانية انتهَجها، فيما لم يستطع السوريون إقناع الايرانيين باستبدال المالكي بالعلاوي، وانّ هذا الامر كان مدار نقاش في الاجتماع الثلاثي الشهير الذي انعقد في دمشق بين الرئيس بشار الاسد والرئيس الايراني السابق محمود احمدي نجاد والامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله.

فالمسألة في سوريا أبعَد من ذلك وأكثر خطورة لأنها ترتبط بأمور استراتيجية كبرى، ولا يمكن حصرها بأمور حكومية أو شخصية على رغم انّ المسائل الشخصية تؤدي دوراً غير قليل في العلاقات السياسية، خصوصاً اذا تلاقت التوترات والانفعالات الشخصية مع توترات وتجاذبات ذات بُعد إقليمي ودولي.

ويضيف السياسي المخضرم انّ في إمكان المواطن في لبنان أن يقرأ في عودة الحريري المتوقعة الى رئاسة الحكومة بعد انتخاب رئيس جمهورية جديد، واستبعاد المالكي والإتيان بمرشّح لرئاسة الحكومة العراقية من حزبه (الدعوة الاسلامية) مؤشّرَين لتسوية كبيرة تلوح في الأفق وتعيد الامور الى نصابها الاول.

وما يؤكد هذا الافتراض هو انّ عبّادي، المرشّح لخلافة المالكي، قد نال دعم كتلتين رئيسيتين في ائتلاف دولة القانون، وهما كتلة «بدر» برئاسة الوزير هادي العامري وكتلة نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني، وكلتاهما مقرّبتان من طهران، بالإضافة الى «التحالف الوطني» الذي يضمّ كتلاً شيعية بارزة، ككتلة «الاحرار» الصدرية وكتلة «المواطن» الموالية للسيّد عمار الحكيم بالإضافة الى كتل شيعية أخرى.

وهذه التسوية الكبرى المتوقعة لها ايضاً عناصر أخرى، أبرزها شبح «داعش» الذي بات يهدّد أطرافاً عدة في العراق والاقليم، كذلك التطورات الجارية في غزة التي تدفع بالقيّمين على الامور في دول عربية عدة الى اعادة تقييم سياساتهم وحساباتهم، وهو ما يظنّ كثيرون أنه محور محادثات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، خصوصاً مع صمود حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» في غزة،

وفوز رجب طيب اردوغان بالرئاسة التركية وصمود الرئيس بشار الاسد الميداني والسياسي بما يدعو جميع المحاور الاقليمية في المنطقة الى البحث عن قواسم مشتركة تخفّف من حدة التجاذبات الحالية، وتفتح الطريق أمام عَقلنة العلاقات بين المحاور الثلاثة الكبرى في المنطقة، وهي: المحور الايراني ـ السوري من جهة، والمحور المصري ـ السعودي ـ الخليجي من جهة ثانية، والمحور القطري ـ التركي من جهة ثالثة. فلقد أدرك الجميع انه لا يستطيع أن يُقصي ايّ محور من هذه المحاور، بل اذا استمر النزاع بين هذه المحاور فالجميع مهدد بـ»داعش» وأخواتها.

ومن هنا، يعتقد هذا السياسي المخضرم انّ نار التوتر التي اشتعلت في المنطقة مع إبعاد الحريري وتثبيت المالكي قبل اعوام، قد بدأت سيارات إطفاء اقليمية ودولية العمل على إخمادها وإفساح المجال لمرحلة جديدة لا تَناتُش فيها ولا «داعش».

فهل نستفيق يوماً على دعوة الى قمّة عربية أو إسلامية، أو حتى دولية، لمكافحة الإرهاب يتناسى فيها الجميع ما بينهم من أحقاد ونزاعات وتتضافَر جهودهم لمواجهة خطر داهم ينتشر كالنار في الهشيم؟ وهل ينتهي النزاع الدموي الدائر اليوم في غزّة بما هو أكثر من رفع الحصار، أي بمؤتمر دولي لحلّ القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد أن بدأت إسرائيل تدفع أثماناً باهظة على كل صعيد بسبب تَعنّتها وصلفها وعنجهيتها التي أحرجَت حتى «أعزّ» الحلفاء؟