كل الدعم المعنوي الدولي الذي تضمنه بيان مجلس الأمن للبنان في مواجهة الارهابيين، لا يشتري رصاصة واحدة يطلقها الجيش ليس دفاعاً عن عرسال ولبنان فحسب، بل دفاعاً عن الأمن والاستقرار في المنطقة وعن صورة الإسلام التي يتم تشويهها عبر التنظيمات التكفيرية والارهابية.

من الموصل الى عرسال تمادت فظاعات "داعش" واخواتها، في موازاة فظاعات النازيين الجدد في غزة، لكن الذين يديرون مجلس الأمن من وراء الكواليس، يتفرجون ويضحكون في عبّهم ما دامت مؤامرة العصر تتقدم عبر "اسلاميين" مدسوسين يقطعون الرقاب ويشوّهون صورة الاسلام، وعبر مسلمين ايقظوا الماضي المأسوي ويقتتلون سنّة وشيعة، ليصفق الذين يدبجون بيانات مجلس الأمن.
كل الدعم المعنوي لا يمحو ذنوب باراك اوباما وفلاديمير بوتين اللذين أدارا المذبحة السورية وفق خريطة أرادت استيلاد الارهاب في المنطقة، ثم جرى استجلاب كل الارهابيين من العالم الى المصيدة السورية ثم العراقية حيث انفجرت "الداعشية" في ظل السياسات المذهبية التي نفذتها حكومة نوري المالكي.
لا لم يأت الدعم للبنان من مجلس الأمن، بل جاء من السعودية ومن خادم الحرمين الشريفين الذي قدم مساعدة عاجلة الى الجيش اللبناني قيمتها مليار دولار، بعدما قدم في كانون الاول من العام الماضي ثلاثة مليارات لهذا الجيش لتعزيز قدرة لبنان على حفظ أمنه ومواجهة الارهابيين القتلة.
تأتي مبادرة الملك عبدالله في سياق الخطاب الذي وجهه الى العالمين العربي والاسلامي قبل ايام، داعياً الى إدانة صارخة للإرهابيين الخونة، الذين يقتلون الناس ويمثّلون بهم وينشرون صور فظاعاتهم ويشوّهون صورة الاسلام، وكل ذلك وسط صمت المجتمع الدولي الذي يتغاضى عن ان هذا سيؤدي الى قيام جيل لا يؤمن بغير العنف وبغير صراع الحضارات.
مبادرة الملك عبدالله تضمنت مؤشرات ضمنية لها مراميها، فعندما يعلن عنها سعد الحريري ومن القصر الملكي، فهذا يعني ان السعودية تدعم الموقف الحازم الذي اعلنه الحريري قبل يومين بوقوفه الى جانب الجيش والدولة ضد الارهابيين الذين دخلوا الى عرسال وإعتدوا على القوى اللبنانية، وانها ترى ان الخط الوطني الذي يمثله الوجه الحقيقي للمسلمين اللبنانيين السنّة. والاتصال الذي سبق المبادرة واجراه الملك عبدالله مع الرئيس ميشال سليمان، مؤكداً وقوف المملكة الى جانب المؤسسة العسكرية في مواجهة الارهابيين، يعني ضمناً انه يذكّر بضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وأنه يؤيد سياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية "إعلان بعبدا" الذي دعا الى حياد لبنان عن الصراعات الخارجية.
اهم من كل هذا أنّ للبنان كوطن للتعايش الحضاري بين الأديان، مكانة مميزة في قلب الملك عبدالله وعقله، وقد حرص دائماً على ترجمتها سلسلة من المبادرات الأبوية وهو القائل "لبنان لنا مقلة العين".