لا مجلس النواب خيال صحراء ولا الحكومة خيال صحراء، ليسمح لنا الرئيس نبيه بري، لأن ليس في هذا البلد السائب سوى خيال صحراء واحد هو الشعب اللبناني، او لنقل شراذم القبائل اللبنانية المتصارعة، التي لم تنتج منذ الاستقلال، على الأقل، سلطة سياسية استطاعت ان تضع ولو حجر أساس لدولة حقيقية. لقد كان لبنان مزرعة وصار كرماً على دروب الآخرين يتناتشونه ولكن عبر أنيابنا، فنحن أسوأ القطط على حدّ المبرد!

يقول بري: "لبنان كجسم انسان فاذا كان بلا رأس، علينا ان نأتي به لا ان نبتر اليدين والقدمين لأننا نغدو عندها برسم الدفن". ولكن من الواضح اننا بعد شهرين من اصرار نواب الثامن من آذار على التعطيل المتعمّد للنصاب ومنع انتخاب رئيس جديد، اي الإتيان بالرأس، صار مطلوباً من نواب ١٤ آذار الذهاب الى البرلمان لتشريع دفع وزارة المال رواتب الموظفين، الذين طالما قبضوا رواتبهم في ايام الأزمات من طريق الإعتمادات، ولكأننا بهذا نقدّم ضرورة المحافظة على اليدين والرجلين اكثر من الرأس!
ليس كثيراً القول اننا وطن على باب مقبرة وجثة سياسية تنتظر الدفن، باعتبار ان الخلاف المستحكم بين الآذاريين، سيمنعنا من ان ننتخب الرئيس لفترة مديدة على ما يبدو، لكن تعطيل النصاب لهذه الجهة سياسي، أما عطالته لجهة التشريع فدستورية! يحق لوزير المال الصديق علي حسن خليل ان يحاول العمل دستورياً وفق الساعة السويسرية، لكن عليه ان يتذكر ان الصدأ أكل هذه الدولة منذ زمن بعيد، ويكفي ان ينظر الى جحافل المطالبين بالحقوق ابتداء من المقاطعجية وصولاً الى اساتذة الجامعات مروراً بالمياومين وجباة الإكراء والمتعاقدين وشذاذ الوزارات والإدارات، كما يكفي ان يتذكّر ان الدولة التي تعجز منذ ربع قرن عن حل ازمة الكهرباء، التي راكمت علينا ربع الدين العام اي اكثر من ٢٠ مليار دولار، هي فعلاً دولة برسم الدفن!
ولأن المثل يقول "كما تكونون يولّى عليكم" فالقبائل اللبنانية المتصارعة تستحق بدورها الدفن وقد باتت خيال صحراء أنتجت وتعيد انتاج هذه الدولة المهترئة. فالفضيحة المتمادية التي توضع الآن في التداول هي التمديد لمجلس النواب، الذي يلاقي ترحيباً ضمنياً من معظم النواب الذين يلائمهم البقاء في التمثيل العام وفوائده والمخصصات، من دون عناء الحملات الانتخابية وتبويس الأيدي على ابواب اصحاب البوسطات ودفع التعرفة او الخوّة السياسية لدخول اللائحة!
طبعاً الحجة الأمنية جاهزة والمنظّرون للتمديد وضعوا الدراسات (دراسات؟)، وسيقال غداً ان فراغ السلطة التشريعية بعد الفراغ الرئاسي سيفضي الى الفراغ في السلطة التنفيذية، فمن سيجري الاستشارات وكيف تشكّل الحكومة الجديدة؟
فعلاً دولة تستحق الدفن، لكن أوليس هذا ما أرادت سياسة التعطيل ان توصلنا اليه؟