أثارَت زيارة وفد أمني إستخباراتي سعودي بيروت لمواكبة التحقيقات مع موقوف «دي روي» عبد الرحمن الشنيفي إستنفاراً ديبلوماسيّاً - مخابراتيّاً، من جانب إيران والعراق وسوريا، والسبب أنّ الساحة اللبنانية قد فُتِحت أمام اشتباك مخابراتي يتَّصل بالإرهاب، والخلايا الناشطة والنائمة، والتوظيفات المحَليّة والإقليميّة والدوليّة.

حجّة المحور الثلاثي أنّ الرئيس تمّام سلام، وبعض أركان حكومته، يمارسون ازدواجيّة مريبة، عندما يتعلّق الأمر بسوريا النظام، و»حزب الله المتورّط» في النزاع إلى جانبه، فهم مع سياسة النأي بالنفس، لكن عندما يتعلّق الأمر بالمحور السعودي يصبح النأي وجهة نظر.

ويركّز هذا المحور على أمثلة وإثباتات منها:

أوّلاً، التباين في وجهات النظر بين وزير الداخلية نهاد المشنوق، والمدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم بُعيدَ التفجير في فندق «دي روي».

الأوّل حذّر من استفزاز سُنّة الإعتدال، فيما أكّد الثاني أنّ المستهدف هو لبنان، وليست طائفة أو جهة. وغاب اللواء إبراهيم أخيراً عن بعض الإجتماعات الأمنية التي عُقدت برئاسة المشنوق، وكانت زيارة الأخير إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي في عين التينة لافتةً من حيث التوقيت، وأيضاً من حيث المضمون.

ثانياً، التصريح المعتدل الذي أدلى به سلام عقب الحادث، والذي دان فيه الإرهاب والإرهابيّين، من دون التطرّق الى الجنسيّة التي يحملونها، وترك هذا التصريح يومها تساؤلات في صفوف المحور الآخر، لو كان المنفّذ إيرانيّاً، أو سوريّاً ينتمي الى النظام، هل كان قد ارتضى بهذا الكلام المنمّق، أم لجأ إلى تسمية الأمور بأسمائها؟

ثالثاً، موقف سلام في جلسة مجلس الوزراء عندما رفضَ مطالبة البعض بضرورة حصول الخليجيّين على تأشيرة مُسبقة، فهو أراد تأكيد الحرص على أفضل العلاقات مع دول مجلس التعاون وأمتَنِها، مميّزاً بين الخليّة الإرهابيّة، وبين العلاقات الثنائيّة التي يجب أن تبقى فوق الشبهات.

وترك هذا الموقف تساؤلات في صفوف المحور الآخر الذي كان حريصاً على معرفة الشخصيّات التي ضمَّها الوفد الأمني السعودي، وحقيقة المهمّات التي جاء من أجلها، وفي هذا التوقيت المأزوم، وطبيعة الإجتماعات السرّية التي عقدَها في بيروت، والتي شملت رسمييّن، وغير رسمييّن أيضاً.

ويشعر المحور الإيراني - العراقي - السوري بانعطافةٍ لافتة تُمارسها حكومة «المصلحة الوطنية» تجاه المحور السعودي، والتنسيق الأمني - المخابراتي الذي أخذ طريقه إلى العلن، وقد توَّجه الإتصال الأخير بين وزير الداخليّة السعودي الأمير محمد بن نايف والمشنوق. وعندما تكون السعوديّة ومصالحها في الميزان، فإنّ سياسة النأي بالنفس تصبح مجرّد شعار.

ويرى هذا المحور أنّ ما يحصل هو استثمار في الإرهاب تحت شعار العمل على مكافحته، وهناك في الحكومة، وأيضاً عند فريق سياسي، مَن يحاول الإستثمار سياسيّاً، وإعلاميّاً ليكسب ويترسمل، ويملك زعامة شعبيّة. ويساعد على ذلك وجود حلقات مترابطة، إذ لا يمكن فصل ما يعيشه لبنان عمّا يعيشه العراق، أو سوريا. إنّها «معركة كسر عظم» بين المحاور الإقليميّة، والنظرة الى «داعش» في العراق غيرها عندما تكون في الخليج، وتنشط بين مدُنِه وأطيافه، ففي العراق مدعومة، وفي الخليج ملاحقة.

ويأتي تعيين الأمير بندر بن سلطان مستشاراً ومبعوثاً خاصّاً لخادم الحرمين الشريفين مع احتفاظه بمنصبه أميناً عاماً لمجلس الأمن الوطني، وتعيين الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز رئيساً للإستخبارات العامة، في ذروة المواجهة مع الإرهاب الذي يضرب في العراق، ويدقّ أبواب الخليج.

إنّه تعيين في زمن القلق، وفي ذروة المواجهة مع المحور الإيراني، وهذا ما دفعَ الأخير الى إعلان الإستنفار العام وعلى مختلف الجبهات، بما فيها الجبهة اللبنانية التي تشهد اليوم مواجهة شرسة، وما انسحاب النائب ميشال عون من حلبة الحوار مع «المستقبل» وانقضاضه على اتّفاق الطائف، إلّا جزءٌ من المشهد الإقليمي: «إمّا أنا أو الطوفان».