عشية الجلسة الثامنة والفارطة طبعاً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، قام النائب ميشال عون بمناورة على الحافة، عندما دعا الى ما سمّاه "مبادرة انقاذية" تتطلب عملياً جملة من الانقلابات على النظام السياسي واتفاق الطائف والدستور!

بدت المبادرة مثيرة فعلاً بعد يأس من الانتظار والمراهنة على ذاك الذي قطع له تذكرة "ون واي تيكيت"، لكنها تستدعي فوراً طرح سؤال بسيط:
ألا يعرف عون ان مبادرته المغمسة تحتاج الى ثلثي الأصوات في مجلس النواب لأن تعديل الدستور يفرض ذلك، وألا يخشى كما أخبرنا تكراراً في الاسابيع الماضية، ان اكتمال نصاب الثلثين الذي قام بمنعه او الحيلولة دونه يمكن ان يؤدي الى انتخاب غيره رئيساً للجمهورية، وعندها سيكون عليه ان "يطربق" السماء على الارض؟
بالنسبة الى خصومه الكثيرين لن ينبت حشيش عون الوفاقي في اراضيهم التي سبق له ان قصفها بشدة ولو بعد مئة سنة، فقد بدا اقتراحه انقاذياً على المستوى الشخصي الاسترئاسي، وخصوصاً ان مبادرات من هذا النوع من التعديلات التي تصيب الدستور، تحتاج الى اجماع هادئ ولا يمكن ان يتم سلقها على نار الفراغ الذي يعصف في مؤسسات الدولة، بينما رياح الصراعات الجحيمية تلفح في لبنان والمنطقة!
لقد قيل الكثير من الكلام في هذه "المبادرة الإنقاذية" التي لن تنقذ الاستحقاق بل ستدفنه و"تعمّق" له ردحاً اضافياً من الزمن السيئ، ولست ادري ماذا ينتظر عون عندما يدعو الى "مناقشتها بعيداً عن السجالات العقيمة واعتماد مضمونها وفقاً للأصول الديموقراطية والبرلمانية"؟
ألا يرى انها تدعو صراحة الى تغيير جذري في اساليب ممارسة الديموقراطية البرلمانية التي هي اساس النظام، بينما انتخاب الرئيس من الشعب ولو على دورتين، تأهيلية مسيحية وتكميلية وطنية، سيكرّس نظاماً رئاسياً لن يرضى او يقبل به حلفاء عون أنفسهم، الذين لا يريدون تطبيق الدستور ويواصلون العمل لتدمير الدولة؟!
الخلاصة التي اجمعت عليها تعليقات المسيحيين من خصوم عون على مبادرته، هي انه صام دهراً في انتظار ان يصدقوا، رغم ما سبق له ان قال فيهم من اللياقات الكثيرة والكلام الحلو، انه بات اشبه بهلال من بلور وفاقي مضيء وودود، ولهذا فانه يستحق ان يشرق عليهم من "بيت الشعب" و"كرسي بعبدا" و"يا شعب لبنان العظيم"، ليبدأوا الزحف اليه على بطونهم كالسقّايات!
وثمة من يقول ان عون لم يقدّم مبادرة بل دسّ قنبلة تحت أرجل النظام، إن لم تنفجر اليوم فستنفجر غداً، ليس بالرئيس بل بدور المسيحيين وبفاعليتهم في النظام السياسي، فقد كنا امام "إما انا او لا احد" وصرنا امام "إما انا أو تغيير البلد"!