أنهى وزير الخارجية الاميركي جون كيري جولته على العراق وبعض دول المنطقة كما اوروبا حيث زار بروكسيل وباريس والتقى مسؤولين عرباً كباراً حول الازمة العراقية قبل ان يلتقي الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز على وقع نغمة تفاؤلية الى حد ما استندت الى تصريحات اية الله السيستاني حول الذهاب الى اتخاذ الاجراءات اللازمة لايجاد حل في العراق شاع انه قد يكون مبنياً على الاستغناء عن نوري المالكي لمصلحة قيام حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع. لكن بدا لمتابعي الشأن العراقي دخول عناصر عملية أكثر تأثيراً من الوساطة التي قام بها كيري وان كانت واشنطن قررت على نحو مبكر ارسال 300 مستشار عسكري الى العراق من أجل معاونة السلطات العراقية على منع تمدد مسلحي "الدولة الاسلامية في العراق وسوريا" الى بغداد. العنصر الأكثر تأثيراً من التحرك الاميركي ظهر من خلال مسارعة روسيا الى تلقف مبادرة تأخرت عنها الولايات المتحدة بالنسبة الى المالكي الذي كان طالب الولايات المتحدة بتوجيه ضربات عسكرية ضد مناطق سيطر عليها مسلحو داعش وقبائل سنية، فأعلنت تسليم خمس مقاتلات روسية من طراز سوخوي 25 الى العراق والتي قال المالكي انها ستستخدم في مهمات في الايام المقبلة او لجهة اعلان طهران ان ردها في العراق سيكون حازماً باستخدامها الأساليب نفسها التي استخدمتها ضدّ المعارضة في سوريا في موازاة تهيئة طهران الرأي العام الايراني حول ضرورة التدخل العسكري في العراق والاستعداد للحرب لأنه ستكون هناك كربلاء أخرى كما قال أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي. وفي موقف معبر عن دخول اسرائيل على خط الازمة العراقية وعلى نحو مناقض لجهود كيري الديبلوماسية في ضرورة العمل على بقاء العراق موحداً من خلال اقامة حكومة شاملة برئاسة غير المالكي تساهم في المصالحة مع السنة والاكراد، أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو دعمه قيام دولة كردية معتبراً ان الاكراد جماعة عرقية تشكل حائط صد ضد العرب.

وعلى رغم ان هذه الدول قد تلتقي على هدف واحد هو منع تمدد امارة داعش وتثبيتها على المناطق الحدودية بين سوريا والعراق فمن غير المحتمل ان تكون جميعها على صفحة واحدة من الازمة العراقية خصوصاً ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان سارع في مقابل دعوة واشنطن الى حكومة وحدة في العراق تحمل في طياتها التخلي عن المالكي الى الاتصال بهذا الأخير مؤكداً دعم روسيا له مما قد يكرر سيناريو دعم روسيا وايران لبشار الاسد بحيث يستبعد ان يقبل المالكي بالتنحي او افساح أمام حكومة وحدة وطنية ما لم تكن برئاسته مما قد يؤدي بالبلد أيضاً الى حرب اهلية لا يستبعد ان تكرر تجربة سوريا المستمرة منذ اكثر من ثلاث سنوات على هذا الصعيد خصوصا في ضوء توافر العوامل نفسها تقريباً: اولا ما اعلنته ايران عن نقل تجربتها الناجحة من سوريا الى العراق الى جانب الاضافات المتعلقة بحماية المراقد والمراكز الشيعية المقدسة، تمسك المالكي بالسلطة وعدم استعداده للتنحي في ظل دعم ايراني كامل في مقابل رغبة عربية وخليجية لتنحيه كما هي الحال مع الاسد، دعم روسيا لنظام المالكي الى جانب دخول الولايات المتحدة بخجل الى الوضع العراقي مجدداً بدلاً من دخول قوي مختلف.
وتزامناً كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زار المملكة السعودية من أجل بحث الوضع العراقي والازمة السورية أيضاً على نحو يعبر عن منافسة روسيا الولايات المتحدة على التعاون من أجل حل محتمل للوضع في العراق وربما في سوريا أيضاً. وهي مؤشرات كباش جديد تقول مصادر ديبلوماسية انها تضاف الى خلفية الكباش المستمر حول الازمة في اوكرانيا بين روسيا والولايات المتحدة، لكن يخشى ان يساهم في تعقيد الأمور أكثر بالنسبة الى العراق حيث الحصص والارباح أكثر بكثير من الوضع في سوريا مع موضوع النفط والمصالح الحيوية والصراع على حدود الكيانات فيه الى جانب الانقسامات الطائفية والمذهبية وامتداداتها في دول المنطقة.
تخشى المصادر المعنية ان يكون موضوع الازمة العراقية قد افتتح ساحة متفجرة جديدة للصراع الاقليمي والدولي بحيث يخشى الا تؤدي الجهود الديبلوماسية التي قام بها كيري ثمارها في المدى المنظور. ثمة الكثير على المحك على ضوء ما يجري هناك قد يكون أهمه وأبرزه الاتفاق المحتمل مع ايران حول ملفها النووي قبل العشرين من الشهر الجاري ما يترك باب المساومات والبازارات مفتوحا على مصراعيه من أي جانب معني بالازمة العراقية لا سيما من جانب طهران. لذلك من غير المستبعد ان تظهر اي نتائج ملموسة لحل جدي على الصعيد العراقي قبل بلورة نتائج المحادثات على الملف النووي بين ايران والدول الخمس الكبرى زائد المانيا، في الوقت الذي يسجل احتدام سياسي على خط ايران والمملكة العربية السعودية. وهذه الاتهامات الايرانية قد يصعب معالجتها في المدى القريب بحيث تطول أزمة توتر العلاقات الاقليمية وتالياً الحروب بالواسطة في المنطقة.