لم يكن متوقعا ان يحمل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بمجرد انتخابه عصا سحرية لحل كل المشاكل اللبنانية او غالبيتها على رغم ان حملة مؤيدي انتخابه على قاعدة انه الرئيس القوي رفعت سقف الامال بالنسبة الى قسم من اللبنانيين الذين زاد عددهم على الارجح مع تولي الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة الاولى في العهد الرئاسي وعلى خلفية توافق سياسي واسع.
 

ما تم كشفه في جلسة مناقشة الحكومة في مجلس النواب ينذر وفق ما تخشى مصادر سياسية مراقبة بأن يثير احباطا مبكرا في حال لم تتم معالجة ملفات حساسة وبالغة الاهمية في حياة اللبنانيين كملفات الكهرباء والنفط وما اثير من فضائح حولهما لا سيما وان هشاشة الواقع السياسي والامني ظهرت اكثر فاكثر في تجدد الاشتباكات في مخيم عين الحلوة وفي ظواهر متفرقة منها ما حصل في الضاحية الجنوبية مثلا على نحو يثير تساؤلات ما الذي اختلف عن السابق وهل يمكن ان يتغير؟. هذه التساؤلات ليست مطروحة على الصعيد السياسي انطلاقا من ان ثمة غالبية سياسية تعتبر وفق وصف ديبلوماسي مخضرم ان لبنان يعيش على نحو يشبه انسانا يغوص حتى رأسه في المياه ويأتي بين الفينة والاخرى ما او من يرفع رأسه خارج المياه فيتنفس قليلا لكي يعود فينزلق رأسه مجددا تحت الماء ثم ثمة ما يساعده على التنفس وهكذا دواليك، و ليس اكثر من ذلك على غرار ما حصل مع الهندسة المالية السنة الماضية او ما حصل في انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدين. اذ ان ابرز التحديات التي يعاني منها لبنان باقية ومستمرة الى حين خصوصا في ظل الاشتعال الخطير في المنطقة. لكن يضاف اليها ما يخشاه كثر على الصعيدين السياسي والديبلوماسي على حد سواء اي التحدي الامني المتمثل بامكان نشوب حرب جديدة مع اسرائيل وسط تضارب الاراء كليا حول احتمالاتها في هذه المرحلة علما ان خشية اكبر تصاعدت بعد الضربة الاميركية على مطار الشعيرات في سوريا ومغزاها او انعكاساتها التي لم تظهر كليا بعد، والتحدي الاقتصادي الذي يشكل ابرز عوامل القلق مضافا اليه ما يمثله الارهاب وتداعيات اللجوء السوري.

الى هذه التحديات، تخشى هذه المصادر بقوة ان يضاف ايضا قانون الانتخاب والمرحلة الطالعة من التمديد شبه المؤكد لمجلس النواب على وقع تشاؤم بامكان ان يتفق الافرقاء السياسيون على قانون جديد في ظل انتظار ما اذا كان رئيس الجمهورية الذي نأى بنفسه حتى الان عن مناقشات القوانين الانتخابية خصوصا تلك التي طرحها رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل يستطيع ان يكون المرجعية الضاغطة بحزم في اتجاه انجاز قانون انتخاب عادل ومتوازن يحقق تمثيل اللبنانيين. وهذا التشاؤم يسري على رؤساء بعثات ديبلوماسية مؤثرة في لبنان رسموا علامات استفهام لجهة امكان تقديم المساعدة في هذا الاطار او الاكتفاء بالمراقبة من دون اي تدخل وفق ما رجحت الكفة لديهم اخيرا حتى الان. فهؤلاء رفعوا مرارا وتكرارا دعوات من اجل التزام لبنان اجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري وكذلك فعلت بيانات مجلس الامن الدولي وبيانات مجموعة الدعم الدولية للبنان لكن هؤلاء جميعهم يرون تهاوي المهلة المفترضة للانتخابات من دون تواريخ واضحة للتأجيل. وهذا يتركهم في موقع ملتبس نوعا ما ازاء الموقف الذي يتعين اعتماده في ظل عدم توصل الافرقاء اللبنانيين الى نتيجة بعد حول الاتجاه المزمع اعتماده علما ان المتداول في موضوع الصيغ الانتخابية لجهة تفصيلها حسب مصالح الافرقاء وتأمين النتائج المسبقة للانتخابات بدلا من ان تكون هذه الاخيرة معبرة عن اللبنانيين ومتيحة امامهم الاختيار الحر لممثليهم، يشكل واقعا مزعجا يتعين عليهم التعامل معه كانجاز ديموقراطي ولو لم يكن واقعا كذلك. ولكن هذا لا يسري باعترافهم على لبنان وحده بل على بلدان كثيرة باتت الدول الكبرى تقر بانتخاباتها البرلمانية ايا تكن الشوائب التي تعاني منها نظرا الى اعتبارات كثيرة يتعين عدم تجاهلها لا سيما منها التهاون ازاء المعايير في تقويم مدى التزام الانتخابات البرلمانية المفهوم الديموقراطي ام لا ونسبته حسب كل دولة. ويسري الالتباس كذلك بالنسبة الى تأجيل الانتخابات لسنة مثلا علما ان هؤلاء الديبلوماسيين في اجواء كل الاحتمالات المطروحة بالنسبة الى الانتخابات وليس من مفاجآت بالنسبة اليهم حتى الان. في اي حال ثمة انتظار في المقابل للصيغة الانتخابية التي سترسو عليها المناقشات الانتخابية بايلاء اهتمام لموضوع النسبية الكاملة وهو الاقتراح الدائم لـ"حزب الله" وما اذا كان سيتم اعتماده، على نحو سيكون لافتا جدا بعد نجاح الحزب في ايصال العماد ميشال عون الى الرئاسة الاولى. فهذا سيكون مؤشرا سياسيا مهما وفق هؤلاء بغض النظر عن كون الاقتراح النسبي الافضل للبنان ام لا. وهذا الاهتمام يسري في موازاة نتائج المعركة السياسية التي يخوضها الافرقاء المسيحيون وصولا حتى مقاطعة جلسة التمديد المحتملة للمجلس النيابي.
ولكن يجب الاقرار بان هذا كله سبق التطورات المتمثلة بتلك التي حصلت في سوريا اخيرا. اذ ان الضربة الاميركية على محدوديتها في الزمان والمكان ورمزيتها سيترتب عليها انعكاسات غير واضحة بعد على وقع كيفية استثمار الادارة الاميركية ذلك وفي اي اتجاه واحتمال ان يصدر رد عن ايران مثلا واين يمكن ان يحصل انطلاقا من ان واقع لبنان وان كان اكثر هدوءا وصخبا مما يجري حوله فهو شديد التأثر كذلك بكل ما يجري.